هذا العنوان يطابق قول قوم نوح

(فَقَالَ الْمَلاُ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن قِوْمِهِ مَا نَرَاكَ إِلاّ بَشَراً مّثْلَنَا وَمَا نَرَاكَ اتّبَعَكَ إِلاّ الّذِينَ هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرّأْيِ وَمَا نَرَىَ لَكُمْ عَلَيْنَا مِن فَضْلٍ بَلْ نَظُنّكُمْ كَاذِبِينَ) هود : 27

حين أخذ يدعوهم إلى الله الف سنة إلا خمسين عاما من قبل أن ياخذهم الطوفان ، و لكن نظرتهم القاصرة تجمعت و تركزت في النظر في حال أتباع هذا الدين ، إنهم من أراذلنا الحقراء السفهاء ، بادي الرأي الذين لا يؤبه لقولهم الذين لا يمثلون قيمة في مجتمعهم ، غير المؤثرين في قوائمه الحضارية و صرحه النهضوي ، إنما هم مجموعة من المستضعفين ، بل ربما كان التجاؤهم إلى هذا الدين ليمثل لهم عزا أو يرفع لهم شأنا بعد فقدوا هذا الشأن بفشلهم على المشاركة بلبنات في صرح نهضتنا ؛ و من ثم فلا حاجة لنا في الإصغاء إلى قول هؤلاء...........هكذا فكر قوم نوح .

و أنا لست بصدد انتقاد هذا التفكير من حيث كونه حاول معرفة الحق بالرجال و قدرهم في مجتمعهم ، و هو لا يصح ، فالحق لا يعرف بكثرة أو قلة و لا باتباع أمير أو اتباع غفير ، إنما الحق يعرف بذاته ، لكن حديثي هذا يتوجه إلى طلاب الحق ، حملة مشعل التنوير الإسلامي الحضاري الذي ننشده في مجتمعاتنا ، لا تجعلهم يعتبرونك من أراذلهم بادي الرأي .

نعم يا طالب النور ، يا رائدة التنوير ، افهما هذا الحقيقة جيدا ، إن حملة هذه الأمانة لا ينبغي لهم أبدا أن يرضوا بالدون ، و ليعلم كل منا أنه في مجاله هذا على ثغرة من ثغور هذا الدين فليحذ أن يؤتى الدين من قبله ، و لا يشغلّنا عن هذا الثغر ثغور اخرى ، فلا بد لنا أن نعلم أن لهذه الثغور من هم لها ، و أنه وحده هو القائم على ثغره ، و لو التفت هنيهة إلى غيره إخوتاه فقد قصر في حمل أمانته .

يمازحني صديقي فيقول لي : نجحت و لا أخ ؟ أي سخف هذا !؟ للأسف كلمة أخ في مجتمعنا تطلق على الملتزم ، و كأن الملتزمين هؤلاء نسيج لمجتمع أخر غير مجتمع الناس ، فهذا السؤال من الخطورة بمكان ، إنه يحمل في طياته معنى خطير ، أنه يترجم المعنى الآتي : هل شاركتنا عالمنا بالنجاح ، أم آثرت عالمك الخاص على عالمنا ؟ .

نكأ الجرح يوما أن أسمع أحدهم يقول – بجدية – أن الواجب عليه أن ينجح ، أما التفوق فحبذا لو كان في العلوم الشرعية ، أما مجاله الذي أختاره الله له ، و الذي هو أصلا قائم على ثغره ، فلا بأس بالاكتفاء بالنجاح و ترك التفوق للآخرين حتى و إن كان الآخرون من غير المسلمين ، فإلى الله المشتكى !!

لطالما اختفلت مع إخواني الذين يرددون العلم الشرعي هو أفضل العلوم ، وهم و إن أنكروا احتقارهم للعلوم الحياتية الأخرى التي تمس الحاجة إليها ، فهم يحتقرونها بفعلهم بتقصيرهم في التحصيل الأمثل لها بانصرافهم عنها إلى العلم الشرعي ، الأنكى من ذلك أني ذهبت إلى حد رموز الدعوة في مدينتنا الأسكندرية لاسأله عن الحديث الذي حسنه الترمذي القائل ( من خرج في طلب العلم فهو في سبيل الله حتى يرجع ) بعد أن سمعت تضييق أحدهم نطاق هذا الحديث في حدود العلم الشرعي دون سواه ، فقلت يا شيخ هل معنى هذا أني لو خرجت لدراسة الطب مبتغيا وجه الله ، ألا يكون هذا خروجا في سبيل الله !؟ رفضنا شيخنا الجليل أن يخلع علي هذا الشرف ، و اكتفى بأن يقول تخرج و لك الأجر و الثواب . ألححت لاستخرجها من بين شفتيه ، لكنه ضن بأكثر مما ذكرآنفا !!

إن التفرقة بين العلوم و جعلها مراتب من شأنها أن توجه طاقات الشباب إلى حيازة اشرف العلوم أو قل التقصير في تحصيل ما سواها باعتباره أدنى منها شرفا ، و هو خرق في صرحنا الحضاري الذي ننشد استعادته ، ثم إن قيمة العلم لا تتمثل في العلم ذاته إنما تتمثل فيما عمل به ذووه ، و ما حال أهل الكتاب الذين نبذوا الكتاب وراء ظهورهم منا ببعيد " و لما جاءهم رسول من عند الله مصدق لما معهم نبذ فريق من الذين أوتو الكتاب كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون" فهؤلاء على هذا القول حازوا أشرف العلوم في زمانهم فماذا فعلوا ؟ بينما لنتطرق بأنظارنا إلى عظماء في تاريخنا ممن ولوا العلوم الحياتية اهتمامهم و صنعوا مجدهم هل يستقيم أن نقول ان هؤلاء اقل شأنا من اصحاب العلوم الشرعية ....أي فهم هذا ؟!!

شيخنا هذا الذي نتقرب إلى الله بحبه هونفسه الذي قال حين اعترض العلمانيون على هدي الإسلام الظاهر الذي استشرى في مجتمعنا و لله الحمد و المنة : و هل اللحية تمنعك من الصعود للقمر ؟

و هنا نقطة ؛ بالطبع لا ، و لكن هل الذي يربى على أن العلم الشرعي اشرف العلوم و أن ما سواها أقل منها شأنا ، و من ثم طالبها أرفع قدرا من طالب العلم الذي يطلبه ، هل سيفكر هذا يوما في الصعود للقمر ؟ - قطعا لا ، إنه سيركز جهده كله في حيازة أشرف العلوم ، إن يحاصر ببيئة حين تناديه و إن لم تنبت لحيته بعد بقول يا شيخ فلان أضف إلى هذا الشحن الذي يشحنه مما ذكرت ، فيحاط هذا البرعم أن هذا هو السبيل و هو أمر لابد لكل مهتم بنهضة أمتنا أن يراجعه .

إخوتاه ، إني لكم ناصح أمين ، أحسن الله إليكم أكرر كل منا على ثغرة من ثغور هذا الدين ، لا تحقر أبدا علمك الذي تدرسه مادام ينفع إخوانك ، ابذل في تحصيله كل غالٍ و نفيس وقتك و عمرك وحياتك ، حسبك من العلوم الشرعية ما تصح به فريضتك و تسلم به عقيدتك ، تأكد أنه هناك على هذه الثغور من يكفية مؤونة الالتفات إليها ، ول ثغرك كل اهتمامك ، كن أنت سيده ......لا تجعلهم أبدا يقولون على صرحنا الحضاري : و ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي.