في هذه الآونة أصيبت الاسكندرية بمصيبة عظيمة إثر ذلك الحادث الذي تهدم فيه المصنع بمنطقة محرم بــك ، نعم الموت مصيبة هكذا وصفه ربنا تبارك و تعالى فقال " فأصابتكم مصيبة الموت " المائدة :106 ، و أي مصيبة أعظم من توقف عمل الإنسان و قيام قيامته إما إلى جنان و رضوان و إما إلى جحيم و هوان نعوذ بالله من الخذلان.

ربما يعجب القارئ حين أذكرأن حادث المصنع هذا الذي علا صفحات الجرائد يقع في الشارع الموازي و المجاور لشارعي الذي أسكن فيه ، بل و يلاصق المسجد الذي أؤدي فيه فرائضي....... كان الأحد يوم الحادث يوما صعبا لم نعهد مثله في الاسكندرية منذ سنين كثيرة مضت ، فالرياح شديدة و الأمطار ثلجية ، سائقو (الميكروباصات) يرفضون العمل حفاظا على أنفسهم و على سياراتهم ، سيارات( التاكسي) تمتلئ بالناس ، لا يقبل أحدهم أن يقلك ، قطعت حوالي ربع المسافة إلى المستشفى سيرا على قدمي إلى أن قبلت سيارة ( تاكسي ) أن تقلني .........حال عودتي شعرت بشئ غريب أشبه بالاستنفار للطوارئ سيارات المطافي ، و سيارات الإسعاف ، و الشرطة و الأمن المركزي .......يبدو أن الأمر جلل .........سمعت البعض يتكلم عن عقار تساقط ........تملك قلبي الخوف على أهلي.........اقتربت شيئا فشيئا فوجدته المصنع......يا إلهي إنه المصنع المجاور للمسجد ، يقولون أنه تهدم مع إقامة صلاة الظهر .......الأمر الذي دفعني لكتابة التدوينه هو الآتي :

اليوم بعد صلاة الصبح في مسجد غير مسجدنا الذي توقفت الصلاة فيه قابلت صديقي و هو إمام مسجدنا .......و تحادثنا في الأمر فذكر لي أن خادم مسجدنا من حين الحادث وهو يبيت في المسجد فاقترح ان نذهب لنطمئن على أحواله ......هذا و عمال الإنقاذ لم يتوقفوا عن العمل ساعة ......ذهبنا إلى المسجد فلم نجد خادمه بل فتح لنا بعض الأهالي ممن أهلهم تحت الأنقاض و ينتظرون إخراجهم ......... المسجد مكون من طابقين بخلاف المدخل أما الطابق الاول فقد أفسده عمال الإنقاذ و هم يهرعون خلاله لانقاذ الاهالي من فتحات النواقذ التي كسر زجاجها ، أما الطابق الثاني فكان سليما .

ذكر لي صديقي أمرا عجيبا و هو ما أنا بصدده في تدوينتي هذه .....و هو أن أحد عمال المصنع خرج منه بين الأذان و الإقامة لتلبية النداء .......أكد هذا لي بالفعل شخص أخر حين ذكر لي ان العامل هذا كان يصلي اليوم الظهر معهم في المسجد .......هذا العامل إن فطن فلا شك أن سيعيش أسير إحسان الله إليه و لسان حاله " لولا أن من الله علينا لخسف بنا ويكأنه لا يفلح الكافرون " القصص :82

سبحان الله الذي ينجي عباده المؤمنين ......الآن سيضاف إلى تدبري معنى جديد حين أتلو قوله تعالى " و ينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يمسهم السوء و لا هم يحزنون "الزمر :61 .......إن النجاة حاصلة في الدنيا أيضا و ليست في الآخرة فقط ، بل ربما كانت النجاة في الدنيا واعظا لتلمس سبل النجاة في الآخرة .

الموت يأتي بغتة.........جملة نكررها كثيرا ....... لم أشعر بها مثلما شعرت ذلك اليوم و صدق من قال ليس المعاين كالمخابر......أدركت ما نحن عليه من طول أمل .......نخطط كثيرا و نحلم كثيرا.......لا أعلم لماذا لا نضع احتمالية الموت قبل أن نبلغ آمالنا ....العجيب أننا نضع خططا تعديلية إن حالت الأقدار بيننا و بين خططنا ليت شعري لم نغفل أن الموت قد يكون أحد هذه الأقدار.. إن كان اغترارا بالشباب فقد رأينا شبابا فقدوا حياتهم في ريعان شبابهم ... و إن كانت أماني فهي حبائل الشيطان فلنحذرها... ينبغي ألا تمر هذه الرسائل الكونية دون أن نتدبرها ....و الله اسأل أن يفقهنا في سننه.