إن كلماتنا تظل عرائس من شموع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة.

الجمعة، 27 مايو 2011

رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ

| 2 حبوب »





ارتبط هذا الدعاء بذهني لفترة طويلة بأنه دعاء للزواج ...سمعت هذا أيضا من غير واحد رابطين بين دعاء موسى عليه السلام به و تزويجه بإحدى ابنتي الرجل الصالح ، غير إننا حين نقرا القرآن مرة بعد مرة يفيض الله علينا من أسراره الكثير و الكثير ..و هو ما وجدته حال تدبري لهذا الدعاء هذه المرة .

أمر آخر جدير بالاعتبار هو أن تدبرنا في كثير من الأحيان يكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بالحالة النفسية التي تكتنفنا في هذه اللحظة ، فربما تحمل الآيات على معنى بعيد تماما عن ظاهرها مرتاحا إلى ذلك المعنى الذي توافق مع حالتك النفسية خصوصا أن هناك من العلماء من ارتضى القاعدة بأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص السبب .

صحيح أن فاء المسارعة في " فجاءته " عقب توجه موسى عليه السلام إلى الله بالدعاء هذا قد ترسخ عندك فهم ارتباط الدعاء بالزواج أيضا ، ولكن هنا تبرز أهمية المنهج التحليلي في ربط النتائج بالمسببات مع مراعاة الظروف و العوامل المحيطة ، فموسى عليه السلام تبدأ قصته مع الخوف بخروجه من مصر خائفا من أن تناله يد البطش و تنكل به بتهمة القتل و خصوصا بعد أن أخبره الرجل المصري بتآمر الملأ ليقتلوه و نصحه بالخروج "
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قال يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ" ، يبدو أنه عليه السلام خرج على عجل دون ترتيب مسبق بل لا يدري أين يذهب ، و لا ماذا سيفعل متوجها إلى الله ، و بعد أن اطمأن إلى التوجه إلى مدين تمنى أن يكون قد وفق إلى صحة اختيار الوجهة "وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قال عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ " ، وحين وصل إلى الماء ولاحظ تجمع الرجال عليه و تجنب الفتاتين لمزاحمتهم ، حفز هذا المروءة التي رأيناها من قبل في نصرة المستغيث إلى إقدامه على مساعدتهما ، ربما يكون هناك عامل آخر دفعه إلى ذلك يجدر بنا اعتباره في حسباننا ، هذا العامل هو إرادته التشاغل عن الحالة التي تكتنفه من حال كونه غريبا لا يدري الخطوة القادمة ، ماذا تخبئ له الأيام ،

إن من طرق معالجة المشاكل هو الإنشغال بمشكلة أخرى و هو ما تم معه ، هذا ليس هروبا من المشكلة ربما أعطيك مثالا تتفهم به وجهة نظري بشكل أفضل ، ذكر لي شيخي أن مشكلته حال تعلم السواقة تتمثل في توقف المحرك بعد أن قام بتشغيله ، و للحصول على الرخصة كان عليه التدرب أن يسير ( زجزاج Zigzag ) هنا أضيفت مشكلة ثانية ، غير أن تركيزه في حل الثانية قل حل بدوره الأولى . هذا هو التشاغل الذي أعنيه .

و هذا والله أعلم ما دفع موسى عليه السلام إلى جانب مروءته بالطبع إلى مساعدة الفتاتين ، فما أن أتم المهمة و انصرف إلى وحدته في الظل حتى عاودته مشكلته الأصلية .. مشكلة ماذا بعد ..إلى أين .. هذا ما دفعه إلى قول " رب إني لما انزلت إلي من خير فقير"
فهو دعاء شامل للاهتداء و افتقاره للرشاد و عجزه بمفرده عن إدراك الطريق ، و قد أعجبني بشدة قول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره هذه الآية قال " السؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال " هذا الدعاء الشامل تلتمس فيه صدق التوجه إلى الله و التفويض الكامل له بان يصلح له حاله و أن يهديه للخير ..يشعرني بهذا المعنى أيضا دعاء النبي " فإنك إن تكلني إلى نفسي فإنك تكلني إلى ضعف و عورة و ذنب و خطيئة و إني لا اثق إلا برحمتك ".

من هنا نخلص إلى أن الدعاء أشمل و أعم من أن يخصص كدعاء للزواج و إن كان يعجبني هذا أيضا ، صحيح أنه وفق للزواج عقب هذا الدعاء لكن هذه كانت معالجة فردية تختص بحاله عليه السلام ، أعني انه لم يدع به ليتزوج :)
إنما دعا به كدعاء عام للتوفيق للخير فكان الخير المناسب لحالته الزواج .

الأحد، 1 مايو 2011

المبادئ أعظم من الاشخاص

| 0 حبوب »

من سنة تقريبا جلست إليه و قد أسند ظهره إلى عاموده في مسجد المواساة ، و بعد أن فرغت من قراءتي عليه ، جاءه أحد الشباب الحامل للقرآن يسأله كيف يتصرف في مشكلة ألمت بينه و بين أهل خطيبته لما عرف عنه من رجاحة عقله ونظرته الثاقبة في الأمور ، سألني الشيخ أن أعرض رأيي فامتنعت في حضرته و مع إصراره قمت بعرضه ، ثم بدأ يفصل فكان سؤاله للسائل عن مدى تعلقه بخطيبته ؟ تعجبت في نفسي: أي سؤال بديهي هذا ؟ طبيعي أن يكون متعلقا بها أيما تعلق ، و ما يحمله على خطبة فتاة ليس متعلقا بها ؟ ، فتأتي الإجابة الأعجب من السائل : عادي يعني ، زميلتي في الشغل شفتها مناسبة فخطبتها ! زاد عجبي ، ثم بعدها فهمت أن المبادئ أعظم من الأشخاص.

بعدها قرأت في إحدى الاستشارات الواردة على صوت السلف استشارة لشاب التزم و بدأ يدرس المنة و ذكر شيئا كهذا غير أنه يعرف فتاة ملتزمة هي الأخرى لكن وخز ضميرهما جعله يرسل الاستشارة ، ياتي عادة جواب الاستشارة بالرديكالية في مثل هذه الأمور ، فقطع العلاقة هو الحل ما لم يكن هناك سبيل لكسبها الشرعية .. هذه المرة لم أعجب من حال كونهما ملتزمين على علاقة فأنا اتفهم ان اللحية لن تجلب له العصمة ، و لن يجعلها النقاب في طهر مريم ، إنها فقط محاولة من كليهما لتلمس سبيل النجاة ، لا شك أن كثيرا من الاشواك ستعترض طريقهما ..إنما كان تعجبي هذه المرة
بضحكة في نفسي محدثا كليهما : هون عليك يا هذا ، على رسلك يا تلك ..فالمبادئ أعظم من الأشخاص.

أي قارئي قد تكون أشعرتك " المبادئ أعظم من الأشخاص " بالغموض ، هأنذا أفسر لك محتواها ، المبادئ أعظم من الأشخاص هذا هو شأن الراشدين حين ينظرون إلى الارتباط فإنهم يوجهون وجهتهم ناحية المبادئ و الأفكار لا ناحية الأشخاص ، فالمبادئ و الأفكار يشترك فيها الكثير و الكثير و عليها فكثير يصلح ، أما خندقة الاختيار في شخص بعينه فهذا شان الصبية و محدودي العقل ....كيف لا و هم بعين الهوى العوراء لا يرون إلا المحاسن ، و قد أحسن ابن الجوزي حين خاطب هؤلاء مداويا فقال " و مما يداوى به الباطن ، أن تفكر فتعلم أن محبوبك ليس كما في نفسك ، فأعمل فكرك في عيوبه تسل ، فإن الآدمي محشو بالأنجاس و الأقذار ، و إنما يرى العاشق معشوقه في حال الكمال ، و لا يصور الهوى له عيبا ، لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال ، و سلطان الهوى حاكم جائر يغطي المعايب فيرى العاشق القبيح من معشوقه حسنا " أهـ. (ذم الهوى )

بل إن الارتباط بالشخص مذموم في كثير من الأحيان ، و قد ضرب لنا الرعيل الأول المثال الأعظم في هذا الشأن ، فالارتباط بالمبادئ كان لديهم أعظم من الارتباط بالأشخاص أنظر إلى
إلى أمنا (أم حبيبة بنت أبي سفيان ) حين أرتد زوجها عن الإسلام في هجرة المسلمين الاوائل للحبشة ، فنبذته وراء ظهرها ، و تحللت من ارتباطها منه مع بالرغم من داعي الارتباط الشديد من زواج غير أن المبادئ لديها كانت أعظم من الأشخاص رفع الله درجاتها .

الارتباط بالأشخاص مطية النكبات و مدخل للعثرات ، بل قد يدعوك إلى صب اللعنات على العاشقين حين تسمع أحدهم يقول :
يا سلم يا راحة العليل ......يا شفا المدنف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي..... من رحمة الخالق الجليل

أو حين تتأمل قول قيس :
أراني إذا صليت يممت بوجهي ..........نحوها وإن كان المصلى ورائيا
و ما بي إشراك و لكن حبها .......... كعظم الشجا أعيى الطبيب المداويا

من أجل هذا اخلص إلى أن المبادئ أعظم من الاشخاص ، مغبون هذا الذي يعلق آماله على شخص ، عظيم هذا الذي يرتبط بالمبادئ.