انهزامية المجتمع أم عنصرية الملتزمين ( تأملات في واقع الدعوة1)

البعض اتهمني برقة شديدة بأني توقفت عن الدعوة حين لاحظ في كتاباتي خروجا عن النمط المألوف ، و الدعوة إلى الله واجب على كل مسلم ، لكنها النظرة الأحادية إلى نمط بعينه و إغضاء الطرف عن الأنماط الأخرى هي التي تقوقع البعض و تحصرهم في انتهاج نمط أحادي و موالاة أشخاصه ، هذا و إن كانت الساحة الإسلامية تعج بمختلف التوجهات التي تكمل نقص بعضها ، و تشترك في تكوين منظومة الإسلام ، نجد أنه لا يزال هناك من يبرأ دعوته من اي نقص ، هذا و إن أقر بخيرية الدعوات الأخرى فإنه لا يتحرج في الإشارة إلى ما يعتريها من تقصير ، و هذا خرق في الفهم ، فالكل له ما له و عليه ما عليه ، و نحن نحب كل من بلغ عن الله و عن رسوله و كل من اراد الخير لهذه الأمة و إن اختلفت توجهاتهم ما دامت رحم الإسلام تتسع كل هؤلاء الأبناء.

أزمة التعريفات

رسم بسمة
استنكارية خفيفة على وجهي ذات يوم قول أستاذنا في الكلية لزميلة منتقبة و قد دخلت متاخرة بعده : اتفضلي يا أخت .

لم يمض بضعة أيام بعدها و أنا في الميكروباص إذ بأحد الراكبين يقول و قد ركبت فتاة
منتقبة : و سعوا للاخت .

أما معي شخصيا فكنت يوما واقفا في استقبال المستشفى يكسوني بالطو أبيض طويل يغطي أكثر من نصف جسمي لا أقول المساحة التي تغطيها لحيتي من وجهي ، فلا يرى المريض إلا اللحية فيأتي إلي قائلا : لو سمحت يا شيخ تشوف الحالة دي !!!!
يكلمني
أحد أصحابي على الفيسبوك بعد ضفته فيقول : ازيك يا أخ محمد!
-
إزيك يا عمر ، عمر عندي سؤال من فضلك
-تفضل
-هل الصحابة على عهد النبي صلى الله عليه و سلم ينادون بعضهم يا أخ فلا ن و كذا ، بمعنى هل كان ابو بكر يقول لعمر : يا أخ عمر
- لا أظن ، إنما كان يقول يا ابن الخطاب
- إذن يمكنك أن تناديني يا ابن عطية 

شكى لي أحد رفاقي أمرا و هو أنه كان يسير إلى جوار زميله الملتحي ، فقابلا رجلا ملتحيا في الطريق ، لا يعرف أيا منهما ، فألقى عليهما السلام ، و نظره يتجه صوب الملتحي ، فيقول لي ألست مسلما أنا الآخر !؟

لا أدري من السبب !؟ و لا من ابتدأ هذه الأزمة ؟
هل المجتمع الذي يسعي نحو الفضيلة ، و يعجز عن أخذ الخطوات التي أخذها بعض عناصره فعزلهم عنه بوصفهم بالإخوة ليبرر انهزاميته تجاه هذا الهدف !؟
أم الملتزمون أنفسهم هم الذين رأوا في هذا
التمايز نواة للمجتمع الذي يحلمون به ، و هي تلك النواة المتمركزة و التي تتسع لتشمل كافة عناصر المجتمع ؟

هذا او ذاك فكلاهما مخطئ ، فالمجتمع بهذه العزلة سيظل على حاله ، و الملتزمون بهذا
التمايز سيظلون في نواتهم .
لابد أن نعي جيدا الأخوة التي وصفها ربنا في كتابه
فقال " إنما المؤمنون إخوة " ، فهو سبحانه و تعالى قصر الأخوة الشرعية – لا اخوة الوطن و القبيلة – على المؤمنين ، و هنا يتأتى أمر ، هو أن الإيمان أمر قلبي ، حتى حين وصف الأعراب انفسهم بالإيمان نهاهم ربنا فقال " قل لم تؤمنوا و لكن قوا أسلمنا " ، نحن حين نخلع لقب الأخ فلان و الأخت فلانة على اشخاص دون غيرهم ، فنحن نخصهم فقط بالإيمان و هو أمر غير مقبول . و الله الهادي إلى سواء الصراط.