إن كلماتنا تظل عرائس من شموع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة.

الجمعة، 26 مارس 2010

هكذا أعرف الدموع

| 6 حبوب »


الدموع لدى الكثيرين رمز الضعف ؛ فليس لديهم من قوة الشكيمة فى الرجل أن تدمع عيناه ، غير أنى أفخر بأنى ليس من هؤلاء الكثيرين ، ربما تعجب لو قلت لك أنى أحب الدموع .....نعم أحبها ، فأنا لا أرى فى الدموع سائل الشرف الذى لا ينبغى أن يهرق من مآقى الرجال ، و لا أرى فيها آية الخور و الضعف الذى تراه الأم فى طفلها إذا رأته يبكى فتعارضه قائلة : (فى راجل يعيط) ؟!!!!


نعم يا سيدتى :( فى راجل يعيط )، و ماذا يضير الرجولة البكاء ؟ بل ماذا تعرفين أنت عن الرجولة أصلا ؟!!!!
ألم تسمعى (قيس بن الملوح) ينشد صاحبيه البكاء فيقول:
خليلى إلا تبكيا لى ألتمس ............... خليلاإذا أنزفت الدمع بكى ليا
و لعل أذنيك لم تطرب لقول ابن النبيه :
يا عين عذرك فى حبيبك واضح .......... سحى لوحشته دما أو أدمعا
إننا يا سيدتى كثيرا ما نكون فى حاجة إلى البكاء ، بل لك أن تقولى أن هناك أمورا لا ينفع معها غير البكاء ، إن البكاء هو السائل الذى يهب لحياتنا الراحة مثلما يجلب الدم لأجسادنا الحياة ....... فمتى كنا فى غنى عن الدم فنحن فى غنى عن الدموع.

إن الدموع هى الذروة ....... ذروة الفرح و ذروة الحزن......... ذروة الندم و ذروة الاشتياق.........ذروة الخوف و ذروة الألم .......و فى كثير من الأحيان هى ذروة الرحمة أيضا.

مازلت أذكر يا سيدتى أيام أوائل الطلاب فى المرحلة الثانية من ثانويتى العامة من سنين خمس مضين ، كان يوم المسابقة النهائية بيننا و بين مدرسة البنات هى نفسها التى أذاقتنا الهزيمة فى المرحلة الأولى ، حين خرجت منها تاركا خلفى زغاريدهن
و صياحهن، أعدو لا تعرف قدماى أين تذهب ، و لا تعرف دموعى انقطاعا ، حتى استقرت جهدى فى شارع منزوٍ عن مدرستهن و تركت لمقلتى العنان فجادت بما شاءت ، وجاءت الفرصة ثانية لنعاود استرداد مجدنا هكذا كنا نفكر حينها و بالفعل عاد الكأس لحوزتنا ، هنا جادت مقلتى أيضا ، لكنها دموع تختلف عن سابقتها ، إنها دموع تغلفها الفرحة و تحمل فى طياتها شعور بالعزة ، دموع تغسل سوادا قرّح العين من جهد أيام ........أيام أفتقدها كثيرا و لا أعلم هل ستعود أم لا ؟!

هل لى أن أذكر لك عبرات أخرى سعدت بشق مجراها فى وجنتى ، إنها عبرات اختنقت من طول ما حبستها فى مآقيي حتى سمحت لها بالنصراف فى طريقها المعهود ، إنها فى حفل زفاف صديقى و أخى الأكبر الذى لم ينجبه أبى ، و لم تهدنيه أمى ، إنما جمعنا المسجد ، كنت فى قمة سعادتى رغم أنى كنت أعرف أن زواجه و الذى كان من شهور قليلة سيحول بينى بين لقائه ، و سأشتاق إلى حديثه الدمث ؛ ذلك الحديث الذى كان يستمر أحيانا من التاسعة مساءا حتى الواحدة بعد منتصف الليل لا أمله و لا يملنى ، و كيف أمل حديثه و هو الخَلِق الخلوق ، توفى عنه والده و لحقت بوالده والدته بعد قليل ، عرفته منذ كنت فى الرابعة عشر من عمرى ، كان حينها فى السادسة و العشرين ، كان مثالا يحتذى فى الأخلاق و الدين ، شأنه شأن حملة القرآن و كان حاملا له منذ عرفته ، كان أول من فتح معى المصحف ، أول من علمنى معنى انتسابى لإسلامى ، لم يتركنى حين تركته ، لقد عرفت به معنى لم أعرفه من أحد قبله .....نعم عرفت به الحب فى الله.

فرحت و شعرت أن الآية تتمثل أمامى " إنه من يتق و يصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين "......ألا تستحق هذه الأمور العبرات يا سيدتى؟!!!

إنك و لا شك تحتاجين أن تراجعى مفهومك عن الرجولة ، كما أنى أخشى علي زوجك أن تحرميه البكاء إن كان البكاء سينقص من رجولته لديك ....... حينها سنكون فى حاجة أن نبكى على حاله !!!!!

الثلاثاء، 2 مارس 2010

رباط الحكيم المقدس .........خواطر تحليلية.

| 4 حبوب »


إنها المرة الأولى التى يقع فيها كتاب لتوفيق الحكيم فى يدى ، و نعم البداية كانت مع الرباط المقدس ، البعض يضع توفيق الحكيم و العقاد على قائمة التعقيد سواء اللفظى أو الذهنى أو كليهما ، غير أن الحقيقة خلاف ذلك ، فهناك فرق بين العمق و التعقيد.


الرواية فى مجملها أعجبتنى للغاية لا سيما انخراط الكاتب فى أعماق الشخصيات ، و تعميق الاهتمام بجوهر الأشياء على ظواهرها ، شأنه فى ذلك شأن شعراء الديوان ، و ذلك اللون من الأدب يثير إعجابى جدا ، مما جعلنى أتابع الرواية بشغف بالغ ؛ فأتممت قراءتها فى يومين على الرغم من انشغالى بأعمال أخرى .


سأحاول جاهدا ان ألخصها – و إن كنت لا أحسن هذا الفن – فهذا (راهب الفكر ) بطل روايتنا يتعرض لامرأة قصدت بابه فقط من أجل ان تحب الأدب ، لكنها لم تكن تريد أن تحب الأدب من أجل الأدب نفسه ، و إنما كان الأدب محبوبا لغيره ، و كان غيره هذا زوجها – و الذى أوهمت (راهب الفكر ) بأنه خطيبها – لك أن تقول أن حبها لزوجها دفعها أن تقترب منه أكثر ، و لا شك ان المسافة بين اثنين تقل باشتراكهم فى الميول و الاهتمامات ، و هذا شأن الحب.

الحب الصادق يغير فى الإنسان أمورا ، بل قل يفتح فى حياته جوانب جديدة لم تكن موجودة قبل لقاء المحبوب ، لك أن تقول أن الحب يساعده على اكتشاف ذاته ، و حل لغز نفسه ، ذلك ان نفسه قد أشرقت بنور الحب الذى بدد ظلمات عجزها عن إدراك كنه قدراتها ، فهامت تطلب العلا ، و تهجر الدنو .........إن الحب يساعدنا على اكتشاف نفوسنا .


(راهب الفكر ) الذى كانت حياته تتلخص فى السطور التى يقرؤها أو تلك التى يكتبها ، وجد هذه الحياة تتغير بوجود تلك العابثة فى حياته و التى تقتصر سطحيتها على الاهتمام بسبق الخيل و ملاعب التنس شانها فى ذلك شأن نساء نصف القرن المنصرم . هذه الحياة ما لبثت ان عادت إلى سابق عهدها باكتشاف كذب المرأة عليه حين قادت قدما زوجها شكره له على صنيعه بزوجته و انكبابها على كتبه ، دون أن يعلم الزوج أنها تزوره . و هنا كانت صدمة (راهب الفكر) حين علم أنها متزوجة .........إن غنخراطها فى حياته جعلها من سماتها ......غير انه لم يتردد فى قطع علاقته بها بل و طردها من حياته مراعاة لموقف الزوج .......... إنه الضمير نحتاج إلى وخزاته دائما.

نسيت أن أخبر أن ما دفع (راهب الفكر) إلى مساعدتها هو أنه رأى فى نفسه فى ثوب الراهب الذى انتشل (تاييس) من أوحال الرذيلة إلى سماء القداسة على حد رؤية أناتول فرانس فى روايته (تاييس) ، غير أن المؤسف فى رواية تاييس أن الراهب دفع من أجل انتشالها حبه للسماء و أخلد إلى الأرض ، فترك الرهبانية من أجلها ، بينما هى تغير حالها من تاييس الغانية إلى تاييس القديسة . و أنا لست بصدد مناقشة أثر العشق فى غواية الزهاد و المتنسكين حتى فى عباد المسلمين ، و من شاء ان يطلع فليرجع إلى الداء و الدواء لابن القيم.


تمر الأيام و تنقضى بعد ان طردها من منزله و سألها ألا تعاوده ، غير أنه وجد نفسه بعد الإسبوع الأول من هذه الحادثة ينتظرها فى يومها المحدد من الإسبوع و الذى استمر قرابة شهرين ، إلا أنها لم تات ، فانتظر الأسبوع الثانى لكنه لم يكن أوفر حظا من سابقه ، أخرجها بيده من حياته غير أنها مازلت تشاركه فى كيانه ، فانبرى يتخيلها و يكتب إليها الرسائل ، تلك الرسائل التى ظلت حبيسة أدراجه ،و كأن الورق صار مخزنا للتفريغ العاطفى.


استمر على هذا الحال قرابة عام يرسم لها صورة المرأة الرائعة العاشقة لزوجها ، المعظمة لبيتها ، إلى أن قرر أن يهجر نفسه و يذهب إلى حلوان لعلها تنفصل عن كيانه ، و هناك كانت الطامة الكبرى ، فهذه الصورة المثالية ما لبثت ان تبددت حين وجد زوجها نزيل الفندق ، و أطلعه على كراسة اعترافات لها ، تقر فيها بانخراطها مع رجل فى علاقة لا ترضاها الأخلاق ، فضلا عن الدين الذى كانت ملامحه غائبه تماما فى هذه الحقبة.


هنا أصابته صدمة ثانيه ، فهو على إخراجه لها من حياته فإن طيفها لا يفارقه ، و يستحضر هذا الطيف بالرسائل التى يكتبها ، و ما أن عرف من الزوج الحقيقة حتى عاد إلى ورقاته فضحك منها و قطعها ، العجيب ان هذه الصدمة لم تكن كافية لاقتلاع هذا الشعور من صدره.


يتوسط بعد ذلك راهب الفكر فى الطلاق بعد أن يطلب الزوج منه أن يكون هو طرفا فيه حفاظا على الابنة من هذه الأم اللعوب ، و من ثم تبحث المراة عن زوج آخر ن و يقرا ( راهب الفكر ) خبر زواجها فى الجريدة ، و يعدو إلى كتبه.