إن كلماتنا تظل عرائس من شموع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة.

الأحد، 29 أبريل 2012

نسمات من أرض النوبة (1)

| 3 حبوب »




كان من إرادة الله الخير بي أن جعلني فردا في قافلة طبية لأهالينا في النوبة نظمها فريقنا – فريق القادة الاجتماعيين – بالكلية ، بالاشتراك مع زملاء من اعضاء الفريق بالجامعة ، في الأيام من 24-28 إبريل 2012.. سأذكر هنا نسمات من تلك الأيام

إنه اليوم الثالث في القافلة ..توجهنا من نزل الشباب باسوان إلى قرية أبوسمبل مع الظهر بعد تعطل في الطريق بعض الشئ ، وذلك بعد أن كان عملنا في اليوم الثاني في البيوت حول مركز نصر النوبة ..

الوحدة الصحية بقرية (أبوسمبل) خصصت في ذلك اليوم للمشاكل المتعلقة بطب العيون و جرحتها ، و الأسنان .. صلينا الظهر و العصر قصرا و جمعا ، ثم عهد إلى و إلى اثنين من الزملاء هم المحمدان ، مزمل و غنيم بالذهاب إلى مدرسة أبي سمبل الاعدادية الجديدة ..

أخذنا أحد الشباب النوبي في سيارة نصف معدة لنقل الركاب ، زودت السيارة بمقعدين خلفيين كبيرين بطول السيارة و تغطية  حالت بيننا و بين شمس النوبة .. ما إن وصلنا إلى السيارة حتى سمعنا اصوات احتفال ..تبين لنا بعدها إنها حفلة لتوديع المديرة الاستاذة عائشة  التي ستخرج على المعاش بعد قليل ..

كنت قد توشحت رداءي الأبيض في الوحدة الصحة ، و ظللت فيه حتى وصلنا إلى المدرسة .. عجيب أمر هذا البالطو ..إنه يكسبك حبا في قلوب الناس قبل أن يقتربوا حتى منك ..الله اسأل أن يجعلنا أهلا لأن نحب من أجله ..

ما إن وصلنا حتى تنازل لنا بعض الكرام عن مقاعدهم الأمامية كرما منهم كما عهدناه في الأيام التي سبقت ذلك اليوم ، ثم احضروا لنا منا ينم على كرم ضيافتهم ، و جلسنا ننتظر فقرتنا الخاصة بالتوعية الصحية التي وضعت في نهاية الحفل ..

دام انتظارنا حوالي نصف ساعة سعدنا بها أيما سعادة ، رأينا الحب في توديع مديرة لا اقول أجمعت المدرسة وحدها ، بل اجمعت المدارس المجاورة على حبها ، فلا تعجب إن رأيت الاستاذ فلان من المدرسة الفلانية يهدي كذا للأستاذة ، و الأستاذة الفلانية من المدرسة الفلانية يهدي هذا للسيدة المديرة ..إنه الترابط الذي نفتقده في أجواء المدينة .لو كنت تجلس إلى جواري لامتلأ قلبك حبا..

لو كنت مكاني لرأيت شعورين في عيني المديرة ..شعور الفرحة بحفاوة الناس و حبهم ، ولرايت أدمعا محبوسة في مقلتين ...أدمعا تنتظر لحظة الفراق لتشق لها مجرى خاصة على وجنتين فيهما أصل مصر الطيب المعطاء ..

قام كورال المدرسة بفقرات في توديع المديرة ، منها قصيدة بعنوان " لا تهدموا لي لعبتي " ألقتها فتاة في رصانة لغوية، تعبر عن ألم حقيقي في نفوس بعض النوبيين – ألم التهجير – و إن كان البعض من الجيل الجديد لم يشعر بهذا الألم ، و ربما لو عرضت عليه ان يعود للنوبة القديمة لرفض أن يترك ما تعب في عمرانه أكثر من اربعين سنة على حد تعبير أحد الإخوة هناك  ..
كانت قصيدة جميلة ، لم يعبها سوى بعض الافتعال الذي أضفته القتاه على القصيدة ، فاختلطت دموعها بكلماتها ، لربما كانت القصيدة اكثر صدقا بدون تلك الدموع ..   

بينما فريق الكورال يغني اغاني النوبة التي لا نفهمها  لتوديع المديرة ، خرجت المديرة تقف امامهم في جلبابها النوبي الاصيل الذي راعى حجابا حقيقيا نادى به القرآن ، و ثقافة نوبية شكلت نفسها فيه ، خرجت  و في يديها وردة حمراء ، تشير إليهم بها صعودا و هبوطا ، لحظات و خرج إليها زميلاتها في زي مثل زيها ، و كون معها دائرة ، بعضهن قد سبقها إلى المعاش ، و البعض الآخر سيلحق به قريبا ، و أخذنا يشكلن دائرة و يقمن بحركات نوبية خفيفة ، حركات لا تخرج عن الآداب ، و لا يشمئز منها العرف ..

انتهت الحفلة ، و جاء دورنا لنقوم بالتوعية الصحية ، خرجت إليهم ، و بدأت أنقل مشاعر السرور الحقيقية التي أحاطتني بوجودي حولهم ، و ذلك الجو العامر بالحب ، ثم انتقلت إلى الااعلان عن  أماكن التخصصات التي جاءت معنا من الاسكندرية ، و بدأت في التوعية الصحية من امراض الكلى ، و ضرورة الوقاية من المسببات و تنظيم الحياة على نحو يحافظ على الصحة وسط سماع الأهالي و المدرسين و الطلاب ، و فرحة منهم لوجودنا بينهم ..أناس لا يقل حسهم الوطني عن حسك إن لم يزد بحكم جذورهم الوطنية الأصيلة ، أناس استشعرت فيهم التعبير القرآني الذي وصف به اهل المدينة " يحبون من هاجرإليهم" ..

انتهى هدفنا الأول من ذلك اليوم بزيارة المدرسة ، ثم توجهنا إلى قرية توشكى بمنازلها ..و التي ربما أفرد لها نسمات أخرى إن شاء الله  ..:)

بعدسة رفيق الطب المصور المحترف محمد مزمل :)

الاثنين، 13 فبراير 2012

أيها المصلح حنانيك بمن أردت بهم إصلاحا!

| 3 حبوب »



الاصلاح غاية عظيمة ، يصبو إليها فقط أصحاب النفوس الهمامة ، من يعيشون آلام مجتمعاتهم فيتأثرون بها ، و يحاولون أن يجدوا سبلا لحلها ، فهم عين المجتمع التي تسهر من أجل الارتقاء به ، و روحه التي تنبض بالأمل في رفعة شأنه ، و يكفي الاصلاح و أهله شرفا أنه كان وظيفة الأنبياء و المرسلين ، من أجل هذا قال شعيب عليه السلام"
إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ"..

صحيح أن التوفيق يكون بالله ، لكن على كل من أراد الاصلاح ان يتوخى أسباب تحقيقه ؛ إن من أهم هذه الاسباب هو الحياة وسط الناس و إشعارهم أنه منهم يأكل من أكلهم و ينام في مثل فراشهم ، أن يصبر على تأخر استجابتهم و تأخر تأهيلهم لحمل مثل دوره ، هذا أيضا هو خلق النبيين ، ما كان أسهل أن يطلب نبينا أن يطبق الأخشبان على أهل الطائف و قد آذوه ، لكنه لم يكن ليغضب لنفسه صلى الله عليه و سلم ، ولم يكن لينفس عن غضبه و انفعاله بما قد يخسره هدايتهم ..

لكنها الرحمة .أبصرها يا صاح ، إنها رحمة من أراد الاصلاح بقومه فزكاه ربه جل في علاه فقال عنه " لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ " فهو صلى الله عليه و سلم جمع بين الحرص عليهم و الرأفة و الرحمة بهم ، فالحرص عليهم و الغلظة معهم ستؤدي لا محالة إلى انفضاض أفراد دعوته من حوله ، و هو ما أكده القرآن الكريم فقال في خلقه صلى الله عليه و سلم "و لو كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ" ..

هل تأملت حال نبينا صلى الله عليه و سلم إذا اراد أن يعاتب شخصا : كان يقول صلى الله عليه و سلم : ما بال اقوام يفعلون كذا و كذا ، إنه لم يسمه باسمه ، لم يشعر من حوله أنه ينتقصه ، إن مراعاه الشعور الإنساني حق عظيم كفله الاسلام حتى للمذنب ، فهذا أدعى لا شك ليراجع نفسه و يعيد التفكير في وضعه ..

هذا هو حال المصلحين و حال امامهم صلى الله عليه و سلم ، فلينهج نهجهم من أ|راد اصلاحا ..

الثلاثاء، 7 فبراير 2012

إلى الذين يقسمون رحمت الله

| 0 حبوب »




فاجعة ألمت بنا هذه الأيام أكلمت قلوبنا جراء قتل المشجعين الآمنين الذين وجدوا في تشجيع الكرة متنفسا للأوضاع الصعبة التي نحياها في بلدنا .. خرج الآمنون ليشاهدوا مباراة لم يكن يعلم بعضهم أنها آخر مباراة سيشاهدها ..لم يكن يعلم أحدهم أن تنفيسه عن نفسه فيه ذهاب نفسه ...

من صفات الله عز وجل الرحمن الرحيم ..و قد اخبر سبحانه عن ذاته فقال أنه "
كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ" الأنعام : 12 ، و قال " وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ " الكهف:85.، بل إن تجاوزت كل الحدود فقال تبارك و تعالى "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " الاعراف : 156. وقد ذكر سبحانه في الحديث القدسي : ( إن رحمتي سبقت غضبي )..

و بعد لقد هاجت الدنيا و ماجت لما توسم من يتعلق برحمة الله و يحيا بها ان يتقبل الله هؤلاء الذين ذهبت ارواحهم الآمنة في جريمة غدر في زمرة الشهداء ، صحيح اننا لا نحكم بالشهادة على أحد إلا من تبين من صحيح الكتاب و السنة ذكر أنه شهيد ، أما عدا ذلك فإننا نحتسبه في زمرة الشهداء إن دلت الأحاديث على دخوله فيهم ، و ندعو الله برحمته ان يتقبلهم في تلك الزمرة

من أجل هذا حري بنا أن نحتسب هؤلاء ضحية الكرة فيهم ، كيف لا و قد ماتوا دون دمهم ، و قد جاء في الحديث الذي صححه الألباني "
من قتل دون ماله فهو شهيد، ومن قتل دون أهله فهو شهيد، ومن قتل دون دينه فهو شهيد، ومن قتل دون دمه فهو شهيد "

أتعجب من رفض البعض هذا ، و كأن الشهادة صارت صكوكا يوزعونها على من شاءوا ، و ليت شعري أي مشكلة في الاحتساب و الرجاء في رحمة الله ، لاسيما و إن كانوا ذاهبين في غير معصية ، بل ربما طاعة إن كانت من الترويح عن النفوس ساعة بعد ساعة ..إنك حين تتأمل مواقف هؤلاء تتساءل " أ
هم يقسمون رحمت ربك " .. صدق الله القائل " [قُلْ لَوْ أَنْتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَائِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذًا لَأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنْفَاقِ وَكَانَ الإِنْسَانُ قَتُورًا" .. إلى الله المشتكى .

الأربعاء، 21 ديسمبر 2011

بين الرفق و الشدة ..

| 3 حبوب »




من وصايا النبي صلى الله عليه و سلم انه قال في حديث " ما كان الرفق في شئ إلا زانه ، و ما نزع من شئ إلا شانه " ، بل مدحه ربه تبارك في علاه فقال " و لو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك " ، بل لك أن تتخيل كم يبغض الله هذا الغليظ حين تتأمل قول النبي صلى الله عليه و سلم " إن الله يبغض كل جعظري جواظ ، سخاب بالاسواق ، جيفة بالليل حمار بالنهار " .. وعى نبينا صلى الله عليه وسلم هذا الحقائق فكان هينا لينا سهلا ، ما خير بين امرين إلا و اختار ايسرهما ما لم يكن فيه إثم او قطيعة رحم . و قد كانت لنا فيه الأسوة الحسنة ..فصلى الله عليه و على آله و صحبه وسلم ..

هذا جيد جدا يا إخواني الكرام ، يتبين لنا أن الرفق و اللين هو الاصل في الحوار مع من نختلف معه ، بل إن البسمة جعلها ديننا من الصدقات ، و علينا أن نلتزم ذلك دائما ، لكن ماذا عسانا أن نفعل إن كان الآخر يكيل لنا السباب و الاتهام بالباطل ؟

إن الحديث عن مقابلة السيئة بالإحسان خلق قويم ، و درجة رفيعة لابد أن تحدد ابعادها ، فحين قابل الصديق إساءة من خاض في عرض ابنته ، كان هذا طهر قلب منه حين اراد الله منه أن يعفو و يصفح عن المذنب ، هذا بعد تبين للناس خطأه و برأ الله أمًنا عائشة رضي الله عنها من الفرية .. كذلك كان حال النبي صلى الله عليه و سلم حين دخل مكة عزيزا قويا ، بعد أن أساء إليه اهلها ، لقد عفا عنهم في موقف عزة يشهد له العالم بذلك .

إن إغفال هذه الضوابط ، و مطالبتنا أن نقابل السيئة بالإحسان حتى و إن كان في هذا مذلة لنا و انتقاص من قدرنا لهو الذل و الهوان الذي لا يرضاه الله عز و جل للمؤمن ، فديننا الذي أمرنا بالرفق و اللين هو هو من أجاز لنا أن نوقف المعتدي عند حده و مقابلة عدوانه بعدوان مثله دول تجاوز لأن ليس من شيمنا التجاوز فقل عز من قائل " فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ. " لك أن تتأمل التذكير بتقوى الله سبحانه بعد إجازته لنا أن نقابل السئة بمثلها ، فهو يحذرنا سبحانه من ان ننحرف عن تقواه ، فيخالط ردنا السيئة بمثلها تجاوز تمليه نفس قد حادت نيتها عن مراقبة الله .

فرق بين التواضع و المذلة .. فرق بين اللين و و الضعف...فرق بين السهولة و الخور ..
لابد أن ندرك هذه الحقائق جيدا ..

الخميس، 10 نوفمبر 2011

عن لحظات الضعف

| 1 حبوب »




في إحدى المرات في كلمة لأحد إخواننا في مسجده قال : المؤمن لا يصاب بمرض نفسي ..
قبل أن نناقش هذه الجملة ، و لنكن أكثر وضوحا فنحن نتكلم عن الاكتئاب ..الأطباء النفسيون حين يبينون حقيقة الاكتئاب فإنهم يستثنون فقد شخص عزيز أو الخلل الفسيولوجي أن يكونا من مسبباته ...فقط يذكرون أن تراكم الأحداث المؤلمة و القهر و الإخفاق إزاء ضعف القدرة على المواجهة قد تؤثر على كيميائية المخ فتؤدي إلى ظهور أعراض الاكتئاب من اضطرابات في النوم ، و تناول الطعام و رؤية الشخص للحياة و الانخراط في الأنشطة المختلفة إلى غير ذلك ..

إن الخلل الناتج عن الإصابة بالاكتئاب يكون التعامل معه بالعقاقير التي تعيد كميائية المخ إلى حالتها الطبيعية إلى جانب بعض العلاج السلوكي من خلال التحدث مع المريض و الذي قل كثيرا بعد التوصل إلى العقاقير مما أدى إلى سخط بعض المصابين انفسهم لأنهم في أحيان كثيرة يريدون التكلم أو قل الصراخ ..

لكن ما دخل الإيمان في هذا ؟
الوقاية خير من العلاج هذه القاعدة الطبية العظيمة قد تكون المدخل لنا في مناقشة أثر الإيمان ، قد ذكرنا أن تراكم الأحداث المؤلمة إزاء ضعف المقاومة هي المسبب للاكتئاب ، هذه المقاومة تستمد بشكل كبير من إيمان الشخص إلى جانب البيئة المحيطة من أصدقاء و عائلة ..

فالمؤمن حين يعيش في ظل اعتقاده بأن الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة ، و أن ارتباطه لابد أن يكون بالله الذي يسير الكون بأسره ، و ليس لعوارض الحياة و نوازلها يستطيع أن يتغلب على دواعي الاكتئاب ..

فالحل هو الإيمان و العمل على زيادته ..و لا شك أن تدبر القرآن و آياته من أعظم أسباب زيادة الإيمان"
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ " الأنفال : 2

فانتبه قبل أن تصيبك لحظات الضعف تلك ، فالإيمان هو الطاقة العظيمة التي يُتغلب بها على معوقات الحياة ، فمتى نقص الإيمان قلت القدرة على مجابهة تلك الصعاب ، و أصبح المرء عرضة للاكتئاب ..

الاثنين، 7 نوفمبر 2011

لقطات من الحياة 1

| 0 حبوب »

تقابلنا في الحياة لقطات كثيرة ، بعضها محزنة للغاية ، بعضها مثالية للغاية ، بعضها يضحكك ، بعضها يبكيك ... لكنها تظل في النهاية ...لقطات من الحياة...
في هذه الرسائل سيخرج فرخنا بعض تلك اللقطات ...بعضها حقيقية ...بعضها عبث فيها بمنقاره و أضفى عليها تصوراته ...في النهاية ستعجبك إن شاء الله ...

لنبدأ

* تسمع أن إخوانها يتضورون جوعا ً ، تذهب إلى هيئة الإغاثة ، تخرج كل ما في حقيبتها دون أن تعرف قدره ، بينما هي تخرج ما فيها إذ بابتسامة عريضة ترسم على وجنتيها النضرتين ، تتذكر كلما سألها زوجها عن مدخراتهما فتجيبه أنها أودعتها عند من لا تضيع عنده الودائع ، فيضمها إلى صدره ، و يطبع قبلة رقيقة على جبينها و كأنها ختم الموافقة ..تخرج من الهيئة و النشوة تملؤها تتمتم : اللهم إن هذا منك إليك ، اللهم إن هذا منك إليك.

* يجلس في كرسي الترام ، كان يومه المدرسي حافلا ، في الحادية عشر من عمره و كله نشاط ، يصعد رجل مسن لا يدري كم عمره ، على وجه تجاعيد و يخفي في نفسه تجاعيد أكثر ، نظر إلى الجالس من خلف نظارته ، و عيناه تتوسل إليه .. فكر الصبي كم هو متعب .. تذكر كذلك أن الشيخ متعب .. تذكر كلمات أبيه الذي فقده عن الرحمة ..بابتسامة لطيفة قام له ..

** جهز أمتعة السفر ، أصرت زوجته على أن ترافقه في تلك الرحلة ، مضت عشر سنوات منذ آخر مرة رآه فيها ، بعد أن قرر أن يعود إلى وطنه ليقضي فترة تدريبه كطبيب امتياز في غزة حين سأله عن السبب أجابه : كفاية غربة ..أوجعته الكلمة بعض الشئ فهو لا يشعر به غريبا ॥يشعر أنه أخوه ..بل له في قلبه ماليس لكثير من أبناء وطنه ...زاد من شعوره هذا مرافقة الغزاوي له فترة ليست بالقصيرة في حلقات القرآن ..كان يحب الاستماع لصوته و هو يقرأ القرآن ..كان يرتل القرآن كسلاسل الذهب .. دارت كل هذه الخواطر في رأسه و هو يدير محرك السيارة مرددا دعاء السفر تردده وراءه زوجه و طفلاهما ... و ذاب في نشوة الشوق سابحا في قول الرجل الصالح :لا إلا إني أحبه في الله ..**
§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§§


** زار رجل أخا له في قرية , فأرصد الله له ملكا على مدرجته , فقال : أين تريد ؟ قال : أخا لي في هذه القرية , فقال : هل له عليك من نعمة تربها ؟ قال : لا إلا أني أحبه في الله , قال : فإني رسول الله إليك أن الله أحبك كما أحببته
) رواه مسلم 2576