كان من إرادة الله الخير بي أن جعلني فردا في قافلة طبية لأهالينا في النوبة نظمها فريقنا – فريق القادة الاجتماعيين – بالكلية ، بالاشتراك مع زملاء من اعضاء الفريق بالجامعة ، في الأيام من 24-28 إبريل 2012.. سأذكر هنا نسمات من تلك الأيام

إنه اليوم الثالث في القافلة ..توجهنا من نزل الشباب باسوان إلى قرية أبوسمبل مع الظهر بعد تعطل في الطريق بعض الشئ ، وذلك بعد أن كان عملنا في اليوم الثاني في البيوت حول مركز نصر النوبة ..

الوحدة الصحية بقرية (أبوسمبل) خصصت في ذلك اليوم للمشاكل المتعلقة بطب العيون و جرحتها ، و الأسنان .. صلينا الظهر و العصر قصرا و جمعا ، ثم عهد إلى و إلى اثنين من الزملاء هم المحمدان ، مزمل و غنيم بالذهاب إلى مدرسة أبي سمبل الاعدادية الجديدة ..

أخذنا أحد الشباب النوبي في سيارة نصف معدة لنقل الركاب ، زودت السيارة بمقعدين خلفيين كبيرين بطول السيارة و تغطية  حالت بيننا و بين شمس النوبة .. ما إن وصلنا إلى السيارة حتى سمعنا اصوات احتفال ..تبين لنا بعدها إنها حفلة لتوديع المديرة الاستاذة عائشة  التي ستخرج على المعاش بعد قليل ..

كنت قد توشحت رداءي الأبيض في الوحدة الصحة ، و ظللت فيه حتى وصلنا إلى المدرسة .. عجيب أمر هذا البالطو ..إنه يكسبك حبا في قلوب الناس قبل أن يقتربوا حتى منك ..الله اسأل أن يجعلنا أهلا لأن نحب من أجله ..

ما إن وصلنا حتى تنازل لنا بعض الكرام عن مقاعدهم الأمامية كرما منهم كما عهدناه في الأيام التي سبقت ذلك اليوم ، ثم احضروا لنا منا ينم على كرم ضيافتهم ، و جلسنا ننتظر فقرتنا الخاصة بالتوعية الصحية التي وضعت في نهاية الحفل ..

دام انتظارنا حوالي نصف ساعة سعدنا بها أيما سعادة ، رأينا الحب في توديع مديرة لا اقول أجمعت المدرسة وحدها ، بل اجمعت المدارس المجاورة على حبها ، فلا تعجب إن رأيت الاستاذ فلان من المدرسة الفلانية يهدي كذا للأستاذة ، و الأستاذة الفلانية من المدرسة الفلانية يهدي هذا للسيدة المديرة ..إنه الترابط الذي نفتقده في أجواء المدينة .لو كنت تجلس إلى جواري لامتلأ قلبك حبا..

لو كنت مكاني لرأيت شعورين في عيني المديرة ..شعور الفرحة بحفاوة الناس و حبهم ، ولرايت أدمعا محبوسة في مقلتين ...أدمعا تنتظر لحظة الفراق لتشق لها مجرى خاصة على وجنتين فيهما أصل مصر الطيب المعطاء ..

قام كورال المدرسة بفقرات في توديع المديرة ، منها قصيدة بعنوان " لا تهدموا لي لعبتي " ألقتها فتاة في رصانة لغوية، تعبر عن ألم حقيقي في نفوس بعض النوبيين – ألم التهجير – و إن كان البعض من الجيل الجديد لم يشعر بهذا الألم ، و ربما لو عرضت عليه ان يعود للنوبة القديمة لرفض أن يترك ما تعب في عمرانه أكثر من اربعين سنة على حد تعبير أحد الإخوة هناك  ..
كانت قصيدة جميلة ، لم يعبها سوى بعض الافتعال الذي أضفته القتاه على القصيدة ، فاختلطت دموعها بكلماتها ، لربما كانت القصيدة اكثر صدقا بدون تلك الدموع ..   

بينما فريق الكورال يغني اغاني النوبة التي لا نفهمها  لتوديع المديرة ، خرجت المديرة تقف امامهم في جلبابها النوبي الاصيل الذي راعى حجابا حقيقيا نادى به القرآن ، و ثقافة نوبية شكلت نفسها فيه ، خرجت  و في يديها وردة حمراء ، تشير إليهم بها صعودا و هبوطا ، لحظات و خرج إليها زميلاتها في زي مثل زيها ، و كون معها دائرة ، بعضهن قد سبقها إلى المعاش ، و البعض الآخر سيلحق به قريبا ، و أخذنا يشكلن دائرة و يقمن بحركات نوبية خفيفة ، حركات لا تخرج عن الآداب ، و لا يشمئز منها العرف ..

انتهت الحفلة ، و جاء دورنا لنقوم بالتوعية الصحية ، خرجت إليهم ، و بدأت أنقل مشاعر السرور الحقيقية التي أحاطتني بوجودي حولهم ، و ذلك الجو العامر بالحب ، ثم انتقلت إلى الااعلان عن  أماكن التخصصات التي جاءت معنا من الاسكندرية ، و بدأت في التوعية الصحية من امراض الكلى ، و ضرورة الوقاية من المسببات و تنظيم الحياة على نحو يحافظ على الصحة وسط سماع الأهالي و المدرسين و الطلاب ، و فرحة منهم لوجودنا بينهم ..أناس لا يقل حسهم الوطني عن حسك إن لم يزد بحكم جذورهم الوطنية الأصيلة ، أناس استشعرت فيهم التعبير القرآني الذي وصف به اهل المدينة " يحبون من هاجرإليهم" ..

انتهى هدفنا الأول من ذلك اليوم بزيارة المدرسة ، ثم توجهنا إلى قرية توشكى بمنازلها ..و التي ربما أفرد لها نسمات أخرى إن شاء الله  ..:)

بعدسة رفيق الطب المصور المحترف محمد مزمل :)