إن كلماتنا تظل عرائس من شموع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة.

السبت، 22 يناير 2011

الرجل قيم العلاقة

| 0 حبوب »

أثار عنوان الفتوى فضولي لمشاهدتها ، استشارة وردت إلى أحد رؤوس الدعوة في الأسكندرية من زوجة مؤمنة تشكي إليه زوجها أنه بعدما يشاهد المباراة يتابع تحليلها و الذي تظهر فيه امرأة متبرجة و هو لا يتورع عن النظر إليها .....زاد الطين بلة أن هذا السؤال تزامن مع عدوان الخنازير على غزة الأبية في مطلع العام قبل السابق ....فنصح له الشيخ و ذكره بأن الأمة تمر بمراحل عصيبة و تنزف دما أو أنت تنفق وقتك في مباراة و نظر حرام !! هو محق في ذلك في رأيي......ثمة أمور و إن كانت من قبيل المباحات غير أن مباشرتها في أوقات خاصة تعد تقصيرا ..

إنها نعمة من الله بلا شك ان يحظى المرء بزوجة مؤمنة توقفه عند حدود الله و تنصح له و تذكره بطاعته ...غير أني أعجب كيف تكون القوامة لرجل على امرأة أتقى منه لله ؟..إننا حين نقول ان القوامة للرجل على المرأة بما فضل الله الرجل على المرأة بعقل ذي قدرة أكبر على وعي الأمور و حسن التصرف و اتخاذ القرار فإننا نقر كذلك أن العقل هذا ثمة عوامل تشارك في تكوينه و تشكيل نضجه ...لا ريب عندي أن تدين المرء ذلك العامل الأعظم ...و عليها فمتى قل دينه ..قل عقله..قلت قوامته.

عجيب أني كنت لا اقول بهذا الراي قبل ذلك ، فكنت لا أرى باسا أن تكون المرأة أعلم و أدين من الرجل لا سيما أن قلبها أرق و دمعها أقرب ، و لي في هذا شاهد من تزويج سعيد بن المسيب التابعي العظيم ابنته لأحد طلابه ، و حين هم الزوج بالخروج لطلب العلم عند أبيها أشارت عليه بالجلوس لأن ما عند أبيها عندها ....إلى أن نجح أحد أصدقائي في إقناعي بالرأي الذي ذكرت.


إن الرجل قيم العلاقة ، و علي كاهله تقع المسؤلية كاملة إن كانت علاقة يرضاها الرحمن أو أخرى يباركها الشيطان.


نكأ الجرح قريبا سيري في أحد الشوارع و إذ بصديق لي يسير إزائي و إلى جواره خطيبته و قد احتوت يده يدها ...عادة أستحي في مواقف كهذه كلما رأيت صديقا و زوجه يسيران فألقي عليهما السلام في عجل وأتابع سيري ...لكن الأمر مختلف إنها لم تصبح زوجته بعد...لا يحل ليده أن تحتوي يدها ...هل أقف و أحدثه أم أرجئ هذا لحين أراه منفردا ...إن النبي صلى الله عليه و سلم لم يكن ليؤجل البيان عن وقت الحاجة ....غير أن فعلي كان الثاني للأسف .

أثار الموقف هذا تساؤلا لدي ....إن كثيرا من الناس يعتقدون أن الخطبة هي اسعد فترات عمرهم ؟ ما الذي جعلهم يظنون هذا ؟ ربما نثير السؤال بشكل مختلف... لم يكون الأمر بعد ذلك اقل سعادة من الخطبة ؟ هل لأنها فترة من التصنع و الزيف و الخداع و الإنسان بطبيعته يميل إلى الأوهام ...أم أن التجاوزات التي يسمح بها الأهالي هي التي تحول السعادة بعد ذلك إلى جو من الرتابة و الملل ...أنهم يسيئون إلى اولادهم من حيث لا يشعرون ...أم أنهما يحرمان هذه السعادة بتعجلهم إياها في غير محلها فمن المعلوم لدينا ان العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ....كلها احتمالات.

ماذا عليهما لو صبرا قليلا فإن الله لا يضيع أجر المحسنين .

كان أبو فراس الحمداني يقول في شعره حين عوتب بسبب هجره :

بلى أنا مشتاق و عندي لوعة ......لكن مثلي لا يذاع له سر.

ولما كان الرجل قيم العلاقة فماذا عليه لو قال :

- بلى أنا مشتاق و عندي لوعة ....لكن أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم.

- بلى أنا مشتاق و عندي لوعة ...لكن عاهدت ربي على أن أؤسس بيتي على تقوى منه و رضوان مهتديا بقوله سبحانه " أفمن أسس بنيانه على تقوى من الله و رضوان خير أم من أسس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنم و الله لا يهدي القوم الظالمين "

- بلى أن مشتاق و عندي لوعة ... لكن صغيرتي إنما أفعل هذا من أجلك أنت ..بل من أجل بيتنا ....لا لا بل من أجل أبنائنا " و ليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله و ليقولوا قولا سديدا "

إننا نكره كثيرا من الأمور- مع جزمنا بصحتها - حال مباشرتنا لها ، فما إن تمر تلك الفترة حتى نحمده سبحانه على تثبيتنا ، و لولا أن ثبتنا لقد كنا نركن إلى معصيته شيئا قليلا أو كثيرا .

اي أُخي إن الإثم ما حاك في صدرك و كرهت أن يطلع عليه الناس ...فاسلك هذا الطريق ستجني ثماره لا ريب و الله كاف عبده.

الثلاثاء، 18 يناير 2011

الخوف

| 0 حبوب »


بديهي ان نعرف أن الخوف من المشاعر الفطرية التي جبل بنو ىدم عليها ، و المتأمل لحال كليم الله موسى عليه السلام مع الخوف يجد الآتي
في النهاية حدث هذا
قال الله تعالى ( فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ( 61 ) قال كلا إن معي ربي سيهدين ( 62 )

دعنا نراها نتعرف عليها من بدايتها

1-خاف موسى عليه السلام حين أعلمه المصري ببحث فرعون عنه ، قال الله تعالى (فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين) القصص:21

2- خاف موسى عليه السلام حين كلمه ربه عز وجل فقال تعالى " يا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ﴾ النمل:10

3- خاف موسى حين أمره ربه بالذهاب إلى فرعون و إنذاره "قالا ربنا إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى" طه :45

4- خاف موسى عليه السلام حين ألقى السحرة عصيهم فخيل إليه أنها تسعى
"فأوجس في نفسه خيفة موسى ( 67 ) قلنا لا تخف إنك أنت الأعلى" طه 67-68
و بالفعل ألقى عصاه فلقفت ما صنع الساحرون ، حينها بلغ إيمانه ذروته و اطمأن قلبه بما عند الله عز و جل ، انعكس هذا الإيمان في صورة التوكل الجازم بنصر الله
فحين خرج و بنو إسرائيل ولم يجد سوى البحر امامه و فرعون خلفه ، و حوله تثبيط بني إسرائيل

إذ به يجهر في قوة كلا إن معي ربي سيهدين ، تشعر فيها بقوة التوكيد والاطمئنان الكامل بمعية الله عز و جل
و ما ما إن نطق بها حتى أوحي إليه بضرب البحر بعصاه ، و الفاء في العربية توحي بملازمة السرعة
" فأوحينا إلي موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم" ص :120

إنه خلق الإيمان إذا مست بشاشته شغاف القلوب فاطمئنت إلى ما عند الله، فغدت لا تخاف غيره و لا ترهب سواه
و صدق الله القائل (الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون). (الأنعام: 82)

السبت، 8 يناير 2011

بين النضج الفكري و النضج الاجتماعي

| 1 حبوب »

حين سألت ذلك الشيخ من عامين عن اسم الكتاب الذي قرأ علي منه أحد الأوراد ، رفض أن يعطنيه معللا ذلك بخوفه من رميي له بالضلال الفكري لأني لم أنضج فكريا بعد.... من أشهر قليلة جلست أمام التلفاز أشاهد برنامج (الرد الجميل ) ، و كانت الحلقة في استضافة الدكتور محمد عمارة يحلل الغزو الفكري للعالم الإسلامي ، و كان قد فصل بين صنفين من مروجي الأفكار أحدهما المغرضين الماكرين بهذه الأمة أمثال سلامة موسى و لويس عوض ، و هؤلاء الذي قاموا بمراجعات فكرية تبرأوا فيها من أفكارهم أمثال طه حسين و قاسم امين فيما وصفه بالنضج الفكري.

و النضج الفكري هذا نمر به جميعا ، فكم من فكرة كنا من أشد المدافعين عنها ، ثم صرنا من أعتى خصومها حين تبين لنا فسادها ، إن تحلي المرء بالمرونة و اعراضه عن الدوجماطيقية ظاهرة صحية في كثير من الأحيان ما لم تمتد براثنها لثوابت لا مجال للمرونة فيها ، تلك الثوابت التي عمد إليها النبي صلى الله عليه و سلم في دعائه : اللهم يا مقلب القلوب و الأبصار ثبت قلبي على دينك ، اللهم يا مصرف القلوب صرف قلبي إلى طاعتك.

أما النمو الاجتماعي و الذي يمثل علاقتنا بالآخرين يمر بمراحل عديدة ، و هو أسبق بداية من نمونا الفكري ، و آخر نهاية منه ايضا ، فالنمو الاجتماعي يبدأ بتعرف الوليد على والديه و إخوته ، ثم زملاء الدراسة ، مرورا بخوض معترك الحياة و السعي نحو الرزق والعمل انتهاءا باالزواج .

من هنا يتبين لك ان نموك الاجتماعي يبدأ قبل نموك الفكري ، فالأول تحركه عاطفتك تجاه و الديك و إخوتك ثم نفسك التي تنأى بك عن العزلة فتنبسط للآخرين ، أما نموك الفكري فمفاده الافكار التي تكتسبها سواء بالقراءة أو السمع أو المشاهدة على مدار حياتك و تحليلك لتلك الافكار و تجميعها في ثوب واحد ترتديه طيلة عمرك.

هذا و إن كان المرء في مراحل عمره المختلفة يمر بفترات نمو هذين الجانبين غير أن مقدار ذلك النمو يختلف تبعا للمرحلة العمرية ، فيكون في مقتبل عمر الطفل منحنى نموه الاجتماعي في ازدياد مطرد ، في حين ينمو منحنى نموه الفكري حثيثا ، يأتي التعليم الأساسي و الثانوي فينمو المنحنيان كلاهما مع كون الغلبة لمنحني النمو الفكري ، هذا النمو الفكري الذي يكاد يبلغ ذروته في المرحلة الجامعية حينها تزداد الهوة بين المنحنيين .

إن هذه الهوة جديرة بإحداث خلط بين المنحنيين و خلط بين الأمور التي تترتب عليهما ، فتجد الفرد يدفعه اغتراره بنموه الفكري إلى تلمس أمورا تتطلب نضجا اجتماعيا لا يتوافر له ، فيحدو ذلك الظمآن بخطوات وثابة نحو سراب الأماني الذي حسبه ماء ، حتى إذا جاءه لم يجده ماء و اصطدم برعونته و نظرته القاصرة تحت قدميه ....إن الذي ينسج أوهاما من الخيال عليه أن يتحمل مشنقه الواقع التي قوامها نسيجه هذا.

السبت، 1 يناير 2011

و ليستعفف

| 0 حبوب »

و ليستعفف

نحن نحتاج أن نفصل بين أوقات الماكرة بدقائق ترفيهية لنعاود بها نشاطنا بإقبال أكبر ، كان هذا في إحدى الليالي ، فقط قررت أن أستريح بعض الشئ ، فوجدت نفسي مستلقيا على فراشي أقلب عيني في كتاب رجال من التاريخ للشيخ على الطنطاوي رحمه الله بنسخته الألكترونية – وفرت لنا كثيرا هذه الكتب – و الذي نقلني بدوره على كتاب آخر ، اسمه من غزل الفقهاء ، لا تسألني كيف ؛ فقد وجدت نفسي على (فورشيرد) أحمل الكتاب المذكور و أغرق في قراءته و لم أفق إلا بعد أن امتدت هذه الدقائق لساعة ونصف ......ليتني أعرف أجلسها على احدى كتب الطب.

بدأ أديب الفقهاء كتابه بالرد على من أنكر عليه الكتابة في هذا اللون من الأدب ، تورعا منه و ظناً أنه لا يليق بشيخ فقيه بل قاضي شرعي ، فكتب له مقدمة ذات حس أدبي عميق ثم شرع في إيراد أمثلة غزل الفقهاء.

قال الله تعالى في كتابه وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (32) وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ (33) النور

و كان دعاء النبي صلى الله عليه و سلم : اللهم إني أسالك الهدى و التقى و العفاف و الغنى.

جميل هذا الحس القرآني ، ها نحن بعد قراءتنا لتفسيرها هلم نستمع إلى صوت قلوبنا بما يفيضه الله علينا من معانٍ تدبرية في كلامه أحسن الحديث.

في هذه الآيات أمر الله الأولياء بتزويج مواليهم و إمائهم ، ناهيا أن يكون سبب الامتناع خشية الفقر الناتج عن كثرة العائلة و نحوه ، لكن الله تبارك و تعالى يطمئن بحنانه فيقول " إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله "

تأتي الآية التي تليها بأمر المتقدم بالعفاف ، إن حيل بينه و بين ما يسعى إليه ، بل و يعده بمنه و فضله أنه يغنيه من فضله و من أصدق منه قيلا سبحانه ؟

جميل هذا الأمر القرآني أن يعكس شعورا واضحا نمارسه جميعا ، فحين يكون هناك طرفان في قضية مختلفين ، أنت تحاول أن تثني كلا منهما عن رغبته ، و هكذا يكون وطن نفسه على أسوأ الاحتمالات ، هل تذكر يوما أن كنت طرفا في قضية صلح بين طرفين ، فأنت تأتي الأول و تقنعه بالبدء ، و تاتي الثاني و تقنعه بالبدء ، و هكذا يصبح كلا منهما مهيئا لتقبل الأمر الذي يكره و هكذا تنجح الفكرة ، فكلاهما أصبح مهيئا التقبل الأمر .

و الشاب المؤمن وقاف عند حدود الله لا يتعداها ، و لا يبيع دينه بعرض من الدنيا قليل ، فهو يعلم تماما انه لن يصيبه منها إلا ما قدر له ، فلا يحمله استبطاء الرزق على التعجل لنيله بإصابة حرام .

و في مجتمع مختلط كهذا الذي نحيا في أكنافه ليس غريبا أن يتسرب شعور كهذا إلى القلوب ، و هذا لا يقدح في ديانة المرء ، فالشرع جاء ليهذب الفطرة لا ليلغيها ، فمعارضة أمر كهذا من الأمور التي تخرج عن وسع النفس التي لا يكلفها الله إلا وسعها .

و قد ذكر ابن القيم في الداء و الدواء هذه القصة الطريفة فقال:

و ذكر الخرائطي عن ابي غسان قال : مر ابو بكر الصديق رضي الله عنه بجارية وهي تقول :

و هويته منىقبل قطع تمائمي ......... متمايلا مثل القضيب الناعم

فسألها : أحرة انت أم مملوكة ؟ قالت : بل مملوكة فقال : من هواك ؟ فتلكأت ، فأقسم عليها فقالت :

و أنا التي لعب الهوى بفؤادها.......... قتلت بحب محمد بن القاسم

فاشتراها من مولاها و بعث بها إلى محمدج بن القاسم بن جعفر بن أبي طالب ، فقال هؤلاء فتن الرجال ، و كم و الله قد مات بهن كريم ، و عطب بهن سليم. أهـ

إن المتأمل لهذه الواقعة يجد أنه لم يعتب عليها أمرا كهذا فهي ما زالت تربط على قلبها ولم تصب حراما ، إنما خشى عليها و على محمد بن القاسم الفتنة فجمع بينهما ....إنه أدرك أنه امر لا طاقة لها على صرفه.