إنها المرة الأولى التى يقع فيها كتاب لتوفيق الحكيم فى يدى ، و نعم البداية كانت مع الرباط المقدس ، البعض يضع توفيق الحكيم و العقاد على قائمة التعقيد سواء اللفظى أو الذهنى أو كليهما ، غير أن الحقيقة خلاف ذلك ، فهناك فرق بين العمق و التعقيد.


الرواية فى مجملها أعجبتنى للغاية لا سيما انخراط الكاتب فى أعماق الشخصيات ، و تعميق الاهتمام بجوهر الأشياء على ظواهرها ، شأنه فى ذلك شأن شعراء الديوان ، و ذلك اللون من الأدب يثير إعجابى جدا ، مما جعلنى أتابع الرواية بشغف بالغ ؛ فأتممت قراءتها فى يومين على الرغم من انشغالى بأعمال أخرى .


سأحاول جاهدا ان ألخصها – و إن كنت لا أحسن هذا الفن – فهذا (راهب الفكر ) بطل روايتنا يتعرض لامرأة قصدت بابه فقط من أجل ان تحب الأدب ، لكنها لم تكن تريد أن تحب الأدب من أجل الأدب نفسه ، و إنما كان الأدب محبوبا لغيره ، و كان غيره هذا زوجها – و الذى أوهمت (راهب الفكر ) بأنه خطيبها – لك أن تقول أن حبها لزوجها دفعها أن تقترب منه أكثر ، و لا شك ان المسافة بين اثنين تقل باشتراكهم فى الميول و الاهتمامات ، و هذا شأن الحب.

الحب الصادق يغير فى الإنسان أمورا ، بل قل يفتح فى حياته جوانب جديدة لم تكن موجودة قبل لقاء المحبوب ، لك أن تقول أن الحب يساعده على اكتشاف ذاته ، و حل لغز نفسه ، ذلك ان نفسه قد أشرقت بنور الحب الذى بدد ظلمات عجزها عن إدراك كنه قدراتها ، فهامت تطلب العلا ، و تهجر الدنو .........إن الحب يساعدنا على اكتشاف نفوسنا .


(راهب الفكر ) الذى كانت حياته تتلخص فى السطور التى يقرؤها أو تلك التى يكتبها ، وجد هذه الحياة تتغير بوجود تلك العابثة فى حياته و التى تقتصر سطحيتها على الاهتمام بسبق الخيل و ملاعب التنس شانها فى ذلك شأن نساء نصف القرن المنصرم . هذه الحياة ما لبثت ان عادت إلى سابق عهدها باكتشاف كذب المرأة عليه حين قادت قدما زوجها شكره له على صنيعه بزوجته و انكبابها على كتبه ، دون أن يعلم الزوج أنها تزوره . و هنا كانت صدمة (راهب الفكر) حين علم أنها متزوجة .........إن غنخراطها فى حياته جعلها من سماتها ......غير انه لم يتردد فى قطع علاقته بها بل و طردها من حياته مراعاة لموقف الزوج .......... إنه الضمير نحتاج إلى وخزاته دائما.

نسيت أن أخبر أن ما دفع (راهب الفكر) إلى مساعدتها هو أنه رأى فى نفسه فى ثوب الراهب الذى انتشل (تاييس) من أوحال الرذيلة إلى سماء القداسة على حد رؤية أناتول فرانس فى روايته (تاييس) ، غير أن المؤسف فى رواية تاييس أن الراهب دفع من أجل انتشالها حبه للسماء و أخلد إلى الأرض ، فترك الرهبانية من أجلها ، بينما هى تغير حالها من تاييس الغانية إلى تاييس القديسة . و أنا لست بصدد مناقشة أثر العشق فى غواية الزهاد و المتنسكين حتى فى عباد المسلمين ، و من شاء ان يطلع فليرجع إلى الداء و الدواء لابن القيم.


تمر الأيام و تنقضى بعد ان طردها من منزله و سألها ألا تعاوده ، غير أنه وجد نفسه بعد الإسبوع الأول من هذه الحادثة ينتظرها فى يومها المحدد من الإسبوع و الذى استمر قرابة شهرين ، إلا أنها لم تات ، فانتظر الأسبوع الثانى لكنه لم يكن أوفر حظا من سابقه ، أخرجها بيده من حياته غير أنها مازلت تشاركه فى كيانه ، فانبرى يتخيلها و يكتب إليها الرسائل ، تلك الرسائل التى ظلت حبيسة أدراجه ،و كأن الورق صار مخزنا للتفريغ العاطفى.


استمر على هذا الحال قرابة عام يرسم لها صورة المرأة الرائعة العاشقة لزوجها ، المعظمة لبيتها ، إلى أن قرر أن يهجر نفسه و يذهب إلى حلوان لعلها تنفصل عن كيانه ، و هناك كانت الطامة الكبرى ، فهذه الصورة المثالية ما لبثت ان تبددت حين وجد زوجها نزيل الفندق ، و أطلعه على كراسة اعترافات لها ، تقر فيها بانخراطها مع رجل فى علاقة لا ترضاها الأخلاق ، فضلا عن الدين الذى كانت ملامحه غائبه تماما فى هذه الحقبة.


هنا أصابته صدمة ثانيه ، فهو على إخراجه لها من حياته فإن طيفها لا يفارقه ، و يستحضر هذا الطيف بالرسائل التى يكتبها ، و ما أن عرف من الزوج الحقيقة حتى عاد إلى ورقاته فضحك منها و قطعها ، العجيب ان هذه الصدمة لم تكن كافية لاقتلاع هذا الشعور من صدره.


يتوسط بعد ذلك راهب الفكر فى الطلاق بعد أن يطلب الزوج منه أن يكون هو طرفا فيه حفاظا على الابنة من هذه الأم اللعوب ، و من ثم تبحث المراة عن زوج آخر ن و يقرا ( راهب الفكر ) خبر زواجها فى الجريدة ، و يعدو إلى كتبه.