ذكر الإمام السيوطي في( تاريخ الخلفاء ) نقلا عن (فضائل الإمامين ) لأبي عبد الله الشيباني أن موافقات عمر رضي الله عنه لربه أحد و عشرين موضعا ..

و من سنين ثلاث أو أربع مضين كنت أقرأ للدكتور مصطفى محمود رحمه الله في احد كتبه ، فوجدته – غفر الله له – ينكر الرجم و ذكر أن القرآن لا توجد فيه آية واحدة للرجم ، بعدها بأيام كنت أراجع رسالة (أصول السنة) للإمام أحمد ففي نصها " و الرجم حق على من زنا و قد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة ، و قد رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وقد رجمت الأئمة الراشدون " أهــ.
يزيد الأمر عجبا ما ورد في الحاشية : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و هو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله قد بعث محمدا بالحق ، و انزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم ، قرأنها ، و وعيناها ، و عقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه و سلم و رجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، و إن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن ، من الرجل و النساء إذا قامت البينة أو كان الحَبَل أو الاعتراف ( البخاري : 7323، مسلم : 1691 ) و اللفظ له ॥

إنها فراسة المؤمن و صدق طويته و نقاء سريرته التي تجعله يرى ما لا يراه غيره ، ففي الحديث الضعيف " اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله "

موقف أخر يعضد من وجود المعارضة السياسية في الإسلام لما لا نص قطعي الثبوت و الدلالة فيه ، نجد عمر حين عزل خالدا رضي الله عنهما عن ولاية قنسرين ، فجاء خالد يحاسب عمر في بيته ، فقال له " لا أناقشك يا خالد هنا في بيتي لكن في مسجد رسول الله و أمام جميع المسلمين ..فإن كنت على حق انصفتك الصحابة مني ، و إن كنت أنا على حق فليس لك أن تتكلم بعد اليوم في الأمر أو تثير فتنة " ، و لما ذهبا إلى المسجد و اكتمل اجتماع الصحابة وقف عمر يقول يا أيها الناس ، لقد سألني خالد ين الوليد أن أجمعكم اليوم ليناقشني أمامكم و أناقشه ، و قد أشفق بعض ذوي الرأي من ذلك على كلمة المسلمين ان تفترق ، فنصحوني ألا اقبل ، و لكني استخرت الله فقبلت ، لا بطرا يعلم الله و لا رياء ، و لا استخفافا بالفتنة و استدرارا لها
و لكني نظرت فوجدتني بين أمرين إما ان أصدع بالحق ولا اخشى الفتنة ، و أما ان أخشى الفتنة فلا أصدع بالحق ، و أريد أن أجعل نفسي حجة على من يلي هذا الامر بعدي ، فلا يأتي أحدهم أو يستنكف أن يناقشه أحد على رؤوس الاشهاد ابدا ) فوقف غلام و قال : (أتأذن لي يا امير المؤمنين ) فأذن له ، فقال : ( إنك يا أمير المؤمنين لم تنصف خالدا و إنك لتحقد عليه ) فقال عمر و لم يغضب : ( يابني إنك حديث السن .. و مغضب من أجل قرابتك فانظر حتى تسمع الرأي ) و ظل كل من عمر و خالد يبدي رأيه و حجته حتى اقتنع الصحابة بحجة عمر ..[ محمد شوقي الفنجري ، الحرية السياسية في الإسلام ]

هنا نعود ثانية إلى بصيرة عمر رضي الله عنه النافذة التي جعلته يصدع بالحق ولا يخشى الفتنة ، لا أن يرى في الحق فتنة فيعتزلها بل يأمر الناس باعتزالها ، هكذا كان سلفنا الصالح ، هم الاسوة و القدوة لنا ، اطلع الله على صدق قلوبهم ، و صدق طويتهم و نقاء سريرتهم فاجتباهم لحمل أمانة هذا الدين ..هم قوم أخلصوا دينهم لله ، عرفوا الحق فالتزموه ، صلحت قلوبهم بالقرآن ، و تنورت أذهانهم بالسنة ، عمروا ظاهرهم باتباع السنة ، و باطنهم بدوام المراقبة ، فكأن الله يبصرهم بنوره سبحانه بمجريات الأمور ، و يهديهم فيها إلى سواء السبيل ...فهذا إخواني هو السبيل لكل ذي رأي ..إننا نتعرض إلى معضلات حياتية تجعل الحليم حيران ، يتحير فيها المرء أي قرار أصوب ..

إن الانخراط السياسي لكثير من أبناء الصحوة الإسلامية قد يستنزف من نقاء قلوبهم و صلتهم بالله ، و هذا هو إرثنا الحقيقي - معشر الإسلاميين – فنجد أنفسنا ندعو الناس إلى ما نحن في حاجة إلى أن نُدعى إليه ، و قد نضل في الاهتداء للقرار و لا غرو فقد فقدنا غذاءنا الإيماني الذي نتقوى به على رؤية القرار .. إننا في حاجة إلى هذه الصلة فبدون هذه الصلة لن نصل ..

إننا في هذه المرحلة في أمس حاجاتناإلى حب الله لنا ، ذلك الحب الذي قال فيه ربنا " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به " ...فاللهم أخلصنا لك و بصرنا بما يرضيك عنا ..آمين .