إن كلماتنا تظل عرائس من شموع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة.

الاثنين، 10 أكتوبر 2011

الإخلاص و الوقت

| 1 حبوب »

كان يوما بارزا في حياتي ، أظنه سيكون من الذكريات الباقية في حقبة الجامعة ، كان أحد أصدقائي في الفرقة الثالثة كلمني أنه تعرف على أستاذ لنا سيصحبه هو و صديقه النمسوي في الصباح بهدف دعوة النمسوي للإسلام ، تبين لي بعدها أن هذا الأستاذ هو أحد أساتذتي ممن تشرفت بالتلقي عنه أثناء زيارتي لوحدة الكلى في إطار دراستي للباطنة ، طلبت أن يستاذنه في أن أشاركهم اليوم ،رحب أستاذنا على الفور..

كان يوم الجمعة ، ذهبنا في بداية اليوم لنادي سموحة ، لعبنا ( إسكواش ) مع أستاذنا ، ذهبنا بعدها لحضور الخطبة في مسجد الفتح- قلعة السلفية بمحافظتنا - ، ثم تناولنا الغداء في احد المطاعم ، فذهاب غلى قافلة طبية للدعوة السلفية بكرموز ، ثم إلى عيادة أستاذنا ، فمستشفى ، فنهاية اليوم ..

الجميل أني عرفت الرجل أكثر ، أايت فيه أمورا كثيرة تدعوك أن تتخذه قدوة و بشدة ، قد يكون عجيبا بعض الشئ أن ترى استاذك الذي يقف امامك بالقميص و( الكرافتة) يرتدي( تي شيرت) و بنطلون ( برمودا ) ، لو ترى حنانه في تعامله مع ابنتيه الصغيرتين ، كيف يأخذ بيد إحداهما ليعلمها كيف تضرب بالمضرب ؟

ماذا لو رأيت حواره في الدعوة للإسلام ، إنه يسلك منافذ عدة ، لو تحدثنا عن الداروينية و الإلحاد فلديه ما يقوله ، و لو تحدثنا عن الرقائق و مخاطبة الروح فلديه ما يقوله ، لو تحدثنا عن الحياة بالإسلام في الدعوة حين نتناول الطعام مع النمسوي فلديه ما يقوله !

لكل مقام مقال ، الجديد أنه لكل مكان زي ، فلباس الرياضة تم تبديله قبل خطبة الجمعة بالقميص السني ، الذي تم تبديله أيضا قبل الذهاب لقافلة الدعوة بالقميص و ( الكرافتة )

أثار صديقي السؤال : أستاذنا كيف جمعت بين كل هذا : فأنت طبيب ناجح ، أستاذ في الجامعة ، ميسور الحال ، داعية إلى الله ؟ فأضفت : و رجل رياضي ..
جاء الجواب : بعد أن ذكر أنه ليس كما نظن ، لكنه يعرف الطريق و يتمثل في نقطتين :
الأول : الإخلاص لله ، فكل هذه المتفرقات لا شئ يجمع بينها أبدا إلا لو كانت هدفها واحد ولن يكون هدفها واحدا إلا لو كان الله .
الثاني : الاستفادة المثلى من الوقت و الحفاظ عليه ...

تأكد لدي حين سمعت كلامه أن النقطتين غائبتين إلى حد كبير من حياتي ، الأعجب انه بالرغم من أنه مر على هذا الحدث ما يقرب من ثلاثة شهور إلا أن هاتين النقطتين مازلت اتفقدهما في حياتي !!

الإخلاص ، إننا بإمكاننا أن نسرد الآيات و الأحاديث و القصص ، لكن أين حقيقة الإخلاص !؟
إن المشكلة الحقيقية لسنا الوحيدين المساهمين فيها ، إنما تربيتنا التي وضعت في اذهاننا أننا متفردون غيرنا ..
و هي ليست مشكلة اسرية ؛ إنما هي مشكلة مجتمع .. ذلك المجتمع الذي يؤكد أن الطفل المصري هو اذكى طفل في العالم ... أن الرجل المصري في اي مكان في العالم مرغوب من نساء الدنيا ... أن مصر هي ام الدنيا ..
إننا ننسى أن نرجع الفضل لله ، و أن نربط الفضل به ، فجاء هذا كله في أن صرنا نسعى لمجدنا الشخصي ، ربما نزخرف نياتنا بدعاوي كاذبة إننا نفعل هذا نصرة للإسلام و إرضاء لله و الحقيقة أن هذه النوايا كثيرا ما يخالطها الدخن ..
إنها ليست دعوة لجلد الذات ، بل هي دعوة لتنقيتها ..دعوة للتوقف كثيـــــــــــرا قبل العمل و تطهير القلب بشـــدة قبل الشروع فيه ..

السبت، 8 أكتوبر 2011

و يجعل لكم نورا تمشون به " الفاروق نموذجا "

| 0 حبوب »



ذكر الإمام السيوطي في( تاريخ الخلفاء ) نقلا عن (فضائل الإمامين ) لأبي عبد الله الشيباني أن موافقات عمر رضي الله عنه لربه أحد و عشرين موضعا ..

و من سنين ثلاث أو أربع مضين كنت أقرأ للدكتور مصطفى محمود رحمه الله في احد كتبه ، فوجدته – غفر الله له – ينكر الرجم و ذكر أن القرآن لا توجد فيه آية واحدة للرجم ، بعدها بأيام كنت أراجع رسالة (أصول السنة) للإمام أحمد ففي نصها " و الرجم حق على من زنا و قد أحصن إذا اعترف أو قامت عليه بينة ، و قد رجم رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وقد رجمت الأئمة الراشدون " أهــ.
يزيد الأمر عجبا ما ورد في الحاشية : عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، و هو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه و سلم : إن الله قد بعث محمدا بالحق ، و انزل عليه الكتاب ، فكان مما أنزل عليه آية الرجم ، قرأنها ، و وعيناها ، و عقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه و سلم و رجمنا بعده ، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل : ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ، و إن الرجم في كتاب الله حق على من زنا إذا أحصن ، من الرجل و النساء إذا قامت البينة أو كان الحَبَل أو الاعتراف ( البخاري : 7323، مسلم : 1691 ) و اللفظ له ॥

إنها فراسة المؤمن و صدق طويته و نقاء سريرته التي تجعله يرى ما لا يراه غيره ، ففي الحديث الضعيف " اتقوا فراسة المؤمن فإنه يرى بنور الله "

موقف أخر يعضد من وجود المعارضة السياسية في الإسلام لما لا نص قطعي الثبوت و الدلالة فيه ، نجد عمر حين عزل خالدا رضي الله عنهما عن ولاية قنسرين ، فجاء خالد يحاسب عمر في بيته ، فقال له " لا أناقشك يا خالد هنا في بيتي لكن في مسجد رسول الله و أمام جميع المسلمين ..فإن كنت على حق انصفتك الصحابة مني ، و إن كنت أنا على حق فليس لك أن تتكلم بعد اليوم في الأمر أو تثير فتنة " ، و لما ذهبا إلى المسجد و اكتمل اجتماع الصحابة وقف عمر يقول يا أيها الناس ، لقد سألني خالد ين الوليد أن أجمعكم اليوم ليناقشني أمامكم و أناقشه ، و قد أشفق بعض ذوي الرأي من ذلك على كلمة المسلمين ان تفترق ، فنصحوني ألا اقبل ، و لكني استخرت الله فقبلت ، لا بطرا يعلم الله و لا رياء ، و لا استخفافا بالفتنة و استدرارا لها
و لكني نظرت فوجدتني بين أمرين إما ان أصدع بالحق ولا اخشى الفتنة ، و أما ان أخشى الفتنة فلا أصدع بالحق ، و أريد أن أجعل نفسي حجة على من يلي هذا الامر بعدي ، فلا يأتي أحدهم أو يستنكف أن يناقشه أحد على رؤوس الاشهاد ابدا ) فوقف غلام و قال : (أتأذن لي يا امير المؤمنين ) فأذن له ، فقال : ( إنك يا أمير المؤمنين لم تنصف خالدا و إنك لتحقد عليه ) فقال عمر و لم يغضب : ( يابني إنك حديث السن .. و مغضب من أجل قرابتك فانظر حتى تسمع الرأي ) و ظل كل من عمر و خالد يبدي رأيه و حجته حتى اقتنع الصحابة بحجة عمر ..[ محمد شوقي الفنجري ، الحرية السياسية في الإسلام ]

هنا نعود ثانية إلى بصيرة عمر رضي الله عنه النافذة التي جعلته يصدع بالحق ولا يخشى الفتنة ، لا أن يرى في الحق فتنة فيعتزلها بل يأمر الناس باعتزالها ، هكذا كان سلفنا الصالح ، هم الاسوة و القدوة لنا ، اطلع الله على صدق قلوبهم ، و صدق طويتهم و نقاء سريرتهم فاجتباهم لحمل أمانة هذا الدين ..هم قوم أخلصوا دينهم لله ، عرفوا الحق فالتزموه ، صلحت قلوبهم بالقرآن ، و تنورت أذهانهم بالسنة ، عمروا ظاهرهم باتباع السنة ، و باطنهم بدوام المراقبة ، فكأن الله يبصرهم بنوره سبحانه بمجريات الأمور ، و يهديهم فيها إلى سواء السبيل ...فهذا إخواني هو السبيل لكل ذي رأي ..إننا نتعرض إلى معضلات حياتية تجعل الحليم حيران ، يتحير فيها المرء أي قرار أصوب ..

إن الانخراط السياسي لكثير من أبناء الصحوة الإسلامية قد يستنزف من نقاء قلوبهم و صلتهم بالله ، و هذا هو إرثنا الحقيقي - معشر الإسلاميين – فنجد أنفسنا ندعو الناس إلى ما نحن في حاجة إلى أن نُدعى إليه ، و قد نضل في الاهتداء للقرار و لا غرو فقد فقدنا غذاءنا الإيماني الذي نتقوى به على رؤية القرار .. إننا في حاجة إلى هذه الصلة فبدون هذه الصلة لن نصل ..

إننا في هذه المرحلة في أمس حاجاتناإلى حب الله لنا ، ذلك الحب الذي قال فيه ربنا " فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، و بصره الذي يبصر به " ...فاللهم أخلصنا لك و بصرنا بما يرضيك عنا ..آمين .