حين قرأت البيتين الذين أوردهما ابن القيم فى كتابه القيم الداء والدواء :
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا.............. لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رايت الذى لاكله أنت عليه قادر............... ولا عن بعضه أنت صابر


أعجبنى عقلانية الحوار . و زاد هذا الإعجاب تعليق ابن القيم فقال : و من آفات النظر أنه يورث الحسرات و الزفرات و الحرقات فيرى العبد ما ليس قادرا عليه و لا صابرا عنه و هذا من أعظم العذاب : ان ترى ما لا صبر لك على بعضه و لا قدرة لك على بعضه.
كذلك قرأت يوما و لا أذكر المصدر الآن : أن علامة إخلاص الشخص هو أن يستوى عنده مادحه و ذامه........و بقليل من التأمل تجد لأنه ليس من العسير تحقيق هذه المعادلة لا بالإخلاص فقط بل أيضا بالتفكر فى ماهية مادحك أو ذامك فهو بشر يأتى من الصفات البهيمية و الوحشية ما لا يخفى على الحيوانات و يكون في قمة ضعفه الإنسانى إذا أذل ميكروب صغير كبرياءه و أقعده طريح الفراش بين تأوهات و توجعات .
إن السؤال عن الغاية أمر إيجابى غير أن المزيد من التأمل فى تلك الغاية سيجنى عليك الآثار السلبية ، قد يبدو كلامى عجيبا لكن : هل سألت نفسك حين قرأت رواية عاطفية حتى نهايتها السعيدة من اجتماع الحبيبين ماذا بعد ؟ هل تأملت إذا سردت عليك قصة كفاح أحدهم و بلوغه ما سعى إليه بعد جهد و مشقة و عناء ثم قلت فى نفسك : (و بعدين) ؟

إننا حين نفكر بهذا المنطق أن مادحك رجل يتغوط ، أو امرأة تحيض ، او طفل يبول ، و الشئ إذا اكتمل نقص لأن السعادة نسبية و لا سعادة كاملة فى دار يحيا فيها الإنسان فى كبد حينها و لا غرو سنفقد شعورنا بالأشياء و ستفقد الحياة معناها .
فالتأمل أحيانا يفسد علينا حياتنا ، هكذا صرح إيليا أبو ماضى فى رائعته التجديدية المساء فقال:
مات النهار ابن الصباح فلا تقولى كيف مات
إن التأمل فى الحياة يزيد أوجاع الحياة
فدعى الكآبة و الأسى و استرجعى مرح الفتاة
قد كان وجهك فى الضحى مثل الضحى متهللا
فيه البشاشة و البهاء
ليكن كذلك فى المساء.


عش فى إطار اللحظة و لا تغرق فى دوامات من التأمل.