حول أبى محجن الثقفى و توبته
كان أبو محجن الثقفى رضى الله عنه مولعا بالشراب ، مشتهرا به ، و كان سعد ابن أبى وقاص حبسه فيه فلما كان يوم القادسية و بلغه ما يفعل المشركون بالمسلمين و هو عند أمِّ ولدٍ لسعدٍ ، قال :
كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا ..........................و أُتركُ مشدودًا عليا وثاقيا
إذا قُمتُ عنانى الحديد و غٌلِّقت..........................مغاليق من دوني تصم المناديا
و قد كن ذا أهلٍ كثير و إخوة .........................فقد تركونى واحدا لا أخا ليا
هلُّم سلاحى ، لا أبا لك، إننى ...................... أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا.


فقالت له أم ولد سعد :( أتجعل لى إن أنا أطلقتك أن ترجع حتى أعيدك فى الوثاق؟) فال :نعم ، فأطلقته ، و ركب فرسا لسعد بلقاء، وحمل على المشركين ،فجعل سعد يقول : (لولا أن أبا محجن فى الوثاق لظننت أنه ابو محجن و أنها فرسى ) ، و انكشف المشركون ، و جاء أبو محجن فأعادته فى الوثاق، و أتت سعدا و أخبرته فأرسل إلى أبى محجن فأطلقه ، و قال : ( و الله لا حبستك فيها ابدًا ) قال أبو محجن : و الله و أنا لا اشربها بعد اليوم ابدًا. أهـ نقلا عن علو الهمة
فى الحقيقة قصة اأى محجن الثقفى من أروع الأمثلة فى تجديد الأمل ، ليس لأنها قصة مؤثرة فى التوبة فحسب ، بل لأنها قصة من نوع آخر غير الذى عهدنا ، فنحن حين نسمع عن جبار كان يكيد للمسلمين كأبى سفيان بن حرب قبل إسلامه ، ثم تنفرج أساريرنا حين نذكر توبته و إسلامه و حسن إسلامه بعد ذلك فهو أمر عهدناه هكذا قصة قاتل المائة نفس ، و الفضيل بن عياض ، و مالك بن دينار و غيرهم فإننا عرفنا هذا النوع من التوبة من يكون سيئا للغاية فى حال عصيانه ثم ينقلب تماما إلى قدوة حسنة بعد توبته .

غير أننا حين ندرك أن شخصا كأبى محجن فى صدر الإسلام حتى بعد إسلامه ظل قائما على كبيرة لا يستطيع التخلص منها ، و يعاقب فيعود ثم يعاقب فيعود و هكذا ، إلى أن يحدث هذا الموقف فى حياته فيمتنع عن الكبيرة ، فإن هذا فى ذاته لا يقطع فيك الرجاء فى الله أبدا حتى و إن أخذت خطوات وثابة فى المسير إلى الله غير أنه ما يزال هناك ما يؤلمك من ذنوب و معاصٍ يحاول بها الشيطان ان يثنيك عن طريقك و أن يقنطك من رحمة الله فلتذكر توبة أبى محجن الذى ظلت غصة الخمر فى حلقه بالرغم من أنه فى خير القرون إلى أن جاء الوقت الذى لفظها و نعم بحلق لا يكدر وجباته الإيمانية غصص.
إن المسألة إذن تتعلق بموقف يحدث فى حياة الفرد يغيره ، غير أنى لا أرضى بهذا الاستنتاج و إن كانت شواهده حولى تفرض علي إقراره ، و هب جدلا أنك أعتقدت فى حتمية الموقف ليغيرك ؛ فليس لديك حينها إلا ان تنتظر ذلك الموقف ، و ما أظن أبا محجن كان هكذا ، لا شك أنه سعى فى أخذ كل الاسباب التى يمتنع بها عن ذنبه ، و ليس غريبا أن يكون هذا الموقف هو مكافأة الله لسعيه الدائب فى طلب التوبة.

لابد لنا أن نفرق بين الدافع و الموقف ، ففى غياب الدافع يمتنع التغيير حتى فى وجود الموقف الداعى له ، أما فى وجود الدافع فإنه أدعى لتلمس المواقف الحاسمة؛ و من ثم التغيير ............( إن يعلم الله فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم و يغفر لكم ) ......و الله المستعان.