إن كلماتنا تظل عرائس من شموع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة.

الأحد، 23 مايو 2010

حول أبى محجن الثقفى و توبته

| 2 حبوب »

حول أبى محجن الثقفى و توبته
كان أبو محجن الثقفى رضى الله عنه مولعا بالشراب ، مشتهرا به ، و كان سعد ابن أبى وقاص حبسه فيه فلما كان يوم القادسية و بلغه ما يفعل المشركون بالمسلمين و هو عند أمِّ ولدٍ لسعدٍ ، قال :
كفى حزنا أن تطعن الخيل بالقنا ..........................و أُتركُ مشدودًا عليا وثاقيا
إذا قُمتُ عنانى الحديد و غٌلِّقت..........................مغاليق من دوني تصم المناديا
و قد كن ذا أهلٍ كثير و إخوة .........................فقد تركونى واحدا لا أخا ليا
هلُّم سلاحى ، لا أبا لك، إننى ...................... أرى الحرب لا تزداد إلا تماديا.


فقالت له أم ولد سعد :( أتجعل لى إن أنا أطلقتك أن ترجع حتى أعيدك فى الوثاق؟) فال :نعم ، فأطلقته ، و ركب فرسا لسعد بلقاء، وحمل على المشركين ،فجعل سعد يقول : (لولا أن أبا محجن فى الوثاق لظننت أنه ابو محجن و أنها فرسى ) ، و انكشف المشركون ، و جاء أبو محجن فأعادته فى الوثاق، و أتت سعدا و أخبرته فأرسل إلى أبى محجن فأطلقه ، و قال : ( و الله لا حبستك فيها ابدًا ) قال أبو محجن : و الله و أنا لا اشربها بعد اليوم ابدًا. أهـ نقلا عن علو الهمة
فى الحقيقة قصة اأى محجن الثقفى من أروع الأمثلة فى تجديد الأمل ، ليس لأنها قصة مؤثرة فى التوبة فحسب ، بل لأنها قصة من نوع آخر غير الذى عهدنا ، فنحن حين نسمع عن جبار كان يكيد للمسلمين كأبى سفيان بن حرب قبل إسلامه ، ثم تنفرج أساريرنا حين نذكر توبته و إسلامه و حسن إسلامه بعد ذلك فهو أمر عهدناه هكذا قصة قاتل المائة نفس ، و الفضيل بن عياض ، و مالك بن دينار و غيرهم فإننا عرفنا هذا النوع من التوبة من يكون سيئا للغاية فى حال عصيانه ثم ينقلب تماما إلى قدوة حسنة بعد توبته .

غير أننا حين ندرك أن شخصا كأبى محجن فى صدر الإسلام حتى بعد إسلامه ظل قائما على كبيرة لا يستطيع التخلص منها ، و يعاقب فيعود ثم يعاقب فيعود و هكذا ، إلى أن يحدث هذا الموقف فى حياته فيمتنع عن الكبيرة ، فإن هذا فى ذاته لا يقطع فيك الرجاء فى الله أبدا حتى و إن أخذت خطوات وثابة فى المسير إلى الله غير أنه ما يزال هناك ما يؤلمك من ذنوب و معاصٍ يحاول بها الشيطان ان يثنيك عن طريقك و أن يقنطك من رحمة الله فلتذكر توبة أبى محجن الذى ظلت غصة الخمر فى حلقه بالرغم من أنه فى خير القرون إلى أن جاء الوقت الذى لفظها و نعم بحلق لا يكدر وجباته الإيمانية غصص.
إن المسألة إذن تتعلق بموقف يحدث فى حياة الفرد يغيره ، غير أنى لا أرضى بهذا الاستنتاج و إن كانت شواهده حولى تفرض علي إقراره ، و هب جدلا أنك أعتقدت فى حتمية الموقف ليغيرك ؛ فليس لديك حينها إلا ان تنتظر ذلك الموقف ، و ما أظن أبا محجن كان هكذا ، لا شك أنه سعى فى أخذ كل الاسباب التى يمتنع بها عن ذنبه ، و ليس غريبا أن يكون هذا الموقف هو مكافأة الله لسعيه الدائب فى طلب التوبة.

لابد لنا أن نفرق بين الدافع و الموقف ، ففى غياب الدافع يمتنع التغيير حتى فى وجود الموقف الداعى له ، أما فى وجود الدافع فإنه أدعى لتلمس المواقف الحاسمة؛ و من ثم التغيير ............( إن يعلم الله فى قلوبكم خيرا يؤتكم خيرا مما أخذ منكم و يغفر لكم ) ......و الله المستعان.

الخميس، 20 مايو 2010

حينها ستفقد شعورك بالأشياء

| 6 حبوب »



حين قرأت البيتين الذين أوردهما ابن القيم فى كتابه القيم الداء والدواء :
وكنت متى أرسلت طرفك رائدا.............. لقلبك يوما أتعبتك المناظر
رايت الذى لاكله أنت عليه قادر............... ولا عن بعضه أنت صابر


أعجبنى عقلانية الحوار . و زاد هذا الإعجاب تعليق ابن القيم فقال : و من آفات النظر أنه يورث الحسرات و الزفرات و الحرقات فيرى العبد ما ليس قادرا عليه و لا صابرا عنه و هذا من أعظم العذاب : ان ترى ما لا صبر لك على بعضه و لا قدرة لك على بعضه.
كذلك قرأت يوما و لا أذكر المصدر الآن : أن علامة إخلاص الشخص هو أن يستوى عنده مادحه و ذامه........و بقليل من التأمل تجد لأنه ليس من العسير تحقيق هذه المعادلة لا بالإخلاص فقط بل أيضا بالتفكر فى ماهية مادحك أو ذامك فهو بشر يأتى من الصفات البهيمية و الوحشية ما لا يخفى على الحيوانات و يكون في قمة ضعفه الإنسانى إذا أذل ميكروب صغير كبرياءه و أقعده طريح الفراش بين تأوهات و توجعات .
إن السؤال عن الغاية أمر إيجابى غير أن المزيد من التأمل فى تلك الغاية سيجنى عليك الآثار السلبية ، قد يبدو كلامى عجيبا لكن : هل سألت نفسك حين قرأت رواية عاطفية حتى نهايتها السعيدة من اجتماع الحبيبين ماذا بعد ؟ هل تأملت إذا سردت عليك قصة كفاح أحدهم و بلوغه ما سعى إليه بعد جهد و مشقة و عناء ثم قلت فى نفسك : (و بعدين) ؟

إننا حين نفكر بهذا المنطق أن مادحك رجل يتغوط ، أو امرأة تحيض ، او طفل يبول ، و الشئ إذا اكتمل نقص لأن السعادة نسبية و لا سعادة كاملة فى دار يحيا فيها الإنسان فى كبد حينها و لا غرو سنفقد شعورنا بالأشياء و ستفقد الحياة معناها .
فالتأمل أحيانا يفسد علينا حياتنا ، هكذا صرح إيليا أبو ماضى فى رائعته التجديدية المساء فقال:
مات النهار ابن الصباح فلا تقولى كيف مات
إن التأمل فى الحياة يزيد أوجاع الحياة
فدعى الكآبة و الأسى و استرجعى مرح الفتاة
قد كان وجهك فى الضحى مثل الضحى متهللا
فيه البشاشة و البهاء
ليكن كذلك فى المساء.


عش فى إطار اللحظة و لا تغرق فى دوامات من التأمل.

الجمعة، 7 مايو 2010

عن العشق و أمور اخرى

| 10 حبوب »

عن العشق و أمور أخرى

فى إحدى تدويناتى سألتني إحدى زائرت المدونة عن دينى فى بضع أبيات نقلتها فى الحب و العشق ظنا منها أنه لا يجوز كما نقل لها أو تطرق إليه إحساسها ، و أجبتها من إحدى الرسائل الدعوية للدكتور عبد الله ناصح علوان رحمه الله بعنوان الحب فى الإسلام من مطبوعات دار السلام بشأن التفرقة بين الغزل العفيف المباح و الغزل الصريح المحرم ، أحببت أن أضيف فى تدوينتى هذه كلاما بديعا لابن القيم من كتابه الرائع الداء و الدواء.

و فى الواقع قد ترددت كثيرا قبل أن أنشر هذا الكلام تارة أعزم و تارة أعاود أدراجى قائلا : أيها الفرخ اطو كشحك على هذ الأمر و أوثر السلامة.

حين قرأته لأول مرة فى عامى الجامعى الثانى حين كان توجهى الإسلامى فى أوج عزائمه توقفت كثيرا عنده و استنكرته فى نفسى أيما استنكار و تمنيت أنه لو كان بمقدورى إزالته..........غير أن حماس الشباب الذى لا أجزم بزواله لدى لكنى أجزم أن القليل من تريث الكبار قد كبح بعض جماحه ، هذا التريث الذى أدين بعد فضل الله بدور دكتور سعد الدين هلالى و دكتور طلعت عفيفى فى تنميته لدى.

يقول ابن القيم فى كتابه :-
و نحن لا ننكر فساد العشق الذى متعلقه فعل الفاحشة بالمعشوق ، و إنما الكلام فى العشق العفيف من الرجل الظريف الذى يأبى له دينه و عفته و مروءته أن يفسد ما بينه و بين الله ، و ما بينه و بين معشوقه بالحرام ، و هذا عشق السلف الكرام الأئمة الأعلام ، فهذا عبيد الله بن عبد الله بن عتبه بن مسعود أحد الفقهاء السبعة عشق حتى اشتهر أمره و لم ينكر عليه و عد ظالما من لامه و من شعره:
كتمت الهوى حتى أضر بك الكتم.............. ولامك قوم و لومهم ظلم
فنم عليك الكاشحون وقبلهم ................عليك الهوى قد نم لو ينفع الكتم
فأصبحت كالهندى إذا مات حسرة ..........على إثر هند أو كمن شفه سقم
تجنبت إتيان الحبيب تاثما ألا.................. إن هجران الحبيب هو الإثم
فذق هجرها ، قد كنت تزعم أنه............. رشاد ألا يا ربما كذب الزعم
أهـ.

قبل أن أقرأ الكتاب نصحنى أحد أصحابى ألا أقرأ الأربعين الصفحة الأخيرة – و هى الصفحات التى أفردها ابن القيم للكلام فى العشق- زعما منه أنى سأسئ فهمها ، غير أن هذا الزعم تبين لى فساده فالكلام لا يحتاج شرحا و لا يحتمل تأويلا .......... لكنى لا أعلم لماذا ينتهج البعض أخلاق بنى اسرائيل فى التعامل مع بعض المسائل فتجدههم يجعلونها قراطيس يبدونها و يخفون كثيرا منها .............. قد أثر هذا كثيرا فى تقبلنا لمن يختلف معنا.

ذات مرة سألت شيخا أعرف عنه توجهه الصوفى فى هذا الكلام فكان رده على : محمد حبيبى كفيانا عشق و نسوان و قرف ، الأمة بتضيع و أنت بتقولى عشق!!!!

و الحقيقة هذا الكلام يحترم من وجه ، هو ضرورة الانشغال بالأولى ، و أنا لا أعيبه غير أنه لا يمنع من تبين حكم ديننا فى التعامل مع المسائل خصوصا التى تمس وجدان قطاع كبير منه.

و فى هذا السياق نقل د. خالد ابو شادى سر عنوان كتابه اللطيف ليلى بين الجنة و النار قصة واقعية تعضد من قول الشيخ يقول :
كان الإمام حسن البنا فى جولة يتفقد فيها مواقع المعركة على أرض فلسطين إذ رأى فتى صغيرا يحمل بندقية بين يديه و تبدو عليه روح الجهاد و الصرامة فسأله الإمام ما اسمك يا فتى ؟ فقال : قيس ، فقال له مداعبا و اين ليلاك يا قيس ؟
فقال ليلاى فى الجنة ، فسُرّ به الإمام و دعا له بالخير. أهـ.

فالأمر إليكى فانظرى ماذا ترين ؟