من جميل آيات القرآن التي تستوقفني كلما مررت بها قول ربنا تبارك و تعالى لموسى عليه السلام "قَالَ سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ وَنَجْعَلُ لَكُمَا سُلْطَانًا فَلا يَصِلُونَ إِلَيْكُمَا بِآيَاتِنَا أَنْتُمَا وَمَنْ اتَّبَعَكُمَا الْغَالِبُونَ" القصص : 35 ..لا شك أن أعظم شفاعة في الدنيا هي شفاعة كليم الله موسى عليه السلام لأخيه هارون عليه السلام و التي رفعت الثاني لمقام النبوة .. تلك الشفاعة التي تتجلى في قول موسى عليه السلام " وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِي رِدْءاً يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ" القصص :34.

هل تستشعر معي عمق قوله تعالى " سنشد عضدك بأخيك " ..إن العضد تتجمع فيه العضلات القوية للطرف العلوي ، ذلك الطرف الذي يقوم بالأعمال التي تتطلب القوة ، و الذي تصوره الرسوم برمز للقوة ، فيأتي القرآن ليؤكد أن هذه القوة ستُشد بالأخ ..أي قارئي العزيز لا يخامرني شك في أني لم أستطع إيصال المعنى الذي
أشعر به حيال تلك الكلمات وأنى لي ॥هناك بعض الكلمات قوتها كل قوتها فيها ؛ فأي محاولة لبسطها لن تزيد المعنى إلا ضعفا فاعذرني .

هذه العلاقة الجميلة بين الأخوين موسى و هارون عليهما السلام تشعرك كيف كانا يدا واحدة ॥تلمس هذا في دعاءموسى عليه السلام على فرعون " وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ" يونس :88
فتأتي الاستجابة الربانية و الخطاب للإثنين "قَالَ قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ" يونس :89
أروع بتلك الملازمة ! إن دعاء موسى و تأمين هارون عليهما السلام على دعائه جعلت هناك قوة في الدعاء فكانت الإجابة و خطاب الإثنين بصيغة المثنى .
بل إن من أعجب ما في هذه العلاقة الجميلة تحسه حين تتأمل تعامل هارون عليه السلام و هو الأخ الأكبر مع أخيه الأصغر موسى عليه السلام حين رجع الثاني من لقاء ربه فوجد قومه قد عبدوا العجل ، و كان موسى عليه السلام قد جعل أخاه مكان و أمره بالإصلاح و عدم اتباع سبيل المفسدين ، فاستشاط موسى غضبا و وصف ربنا الموقف فقال" ولمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ " الاعراف : 150 ... أرأيت؟ إن الأخ الأصغر أخذ برأس الأكبر يجره فما كان من الاكبر إلا أن صبر
؟ هكذا يكون الحلم ، إن هارون عليه السلام هو الأكبر غير أن الشيطان لم يستطع أن يغويه بمدخل أن أخاه الأصغر لا يحترمه ، فقط تفهم حالة الغضب التي اكتنفته و لم يرد أن يضيف إليها غضبا جديدا ॥بل أكثر من ذلك اختيار الكلمات التي تهدئ من روعه فيذكره بقوله " ابن أم " ترى ما الذي حمله على هذا قد يكون مراعاة حالة الغضب و محاولة التخفيف منها ، و قد يكون تذكرا لأمر عظيم كالنبوة التي كان سببا في رفعه لها و كثير من الناس ينسى الأيادي اليبيضاء لغيره عليه إذا رأى منه ما يغضبه ، أو ربما لأن الأخ الاكبر عليه دائما ان يحيط الأصغر بحنانه ..من يدري كلها احتمالات لحقيقة جديرة بالإعجاب .
ثم يسكت عن موسى عليه السلام الغضب فيتوجه إلى الله بالدعاء له و لأخيه "قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِأَخِي وَ أَدْخِلْنا فِى رَحْمَتِكَ وَ اَنْتَ اَرْحَمُ الرّاحِمِينَ" الأعراف :151

و بعد فقد دفعني لكتابة هذه التدوينة شعوري بحب جارف تجاه أخي الأصغر .. و هأنذا أهديها لإخواني عامة و له خاصة .. خصوصا كلما تذكرت ذرف عينيه في خلوته عند سماعه أنشودة " أخي في فؤادي " في وقتٍ نزغ الشيطان بيننا ..أي أُخي لا حرمني الله شدك لعضدي .