من سنة تقريبا جلست إليه و قد أسند ظهره إلى عاموده في مسجد المواساة ، و بعد أن فرغت من قراءتي عليه ، جاءه أحد الشباب الحامل للقرآن يسأله كيف يتصرف في مشكلة ألمت بينه و بين أهل خطيبته لما عرف عنه من رجاحة عقله ونظرته الثاقبة في الأمور ، سألني الشيخ أن أعرض رأيي فامتنعت في حضرته و مع إصراره قمت بعرضه ، ثم بدأ يفصل فكان سؤاله للسائل عن مدى تعلقه بخطيبته ؟ تعجبت في نفسي: أي سؤال بديهي هذا ؟ طبيعي أن يكون متعلقا بها أيما تعلق ، و ما يحمله على خطبة فتاة ليس متعلقا بها ؟ ، فتأتي الإجابة الأعجب من السائل : عادي يعني ، زميلتي في الشغل شفتها مناسبة فخطبتها ! زاد عجبي ، ثم بعدها فهمت أن المبادئ أعظم من الأشخاص.

بعدها قرأت في إحدى الاستشارات الواردة على صوت السلف استشارة لشاب التزم و بدأ يدرس المنة و ذكر شيئا كهذا غير أنه يعرف فتاة ملتزمة هي الأخرى لكن وخز ضميرهما جعله يرسل الاستشارة ، ياتي عادة جواب الاستشارة بالرديكالية في مثل هذه الأمور ، فقطع العلاقة هو الحل ما لم يكن هناك سبيل لكسبها الشرعية .. هذه المرة لم أعجب من حال كونهما ملتزمين على علاقة فأنا اتفهم ان اللحية لن تجلب له العصمة ، و لن يجعلها النقاب في طهر مريم ، إنها فقط محاولة من كليهما لتلمس سبيل النجاة ، لا شك أن كثيرا من الاشواك ستعترض طريقهما ..إنما كان تعجبي هذه المرة
بضحكة في نفسي محدثا كليهما : هون عليك يا هذا ، على رسلك يا تلك ..فالمبادئ أعظم من الأشخاص.

أي قارئي قد تكون أشعرتك " المبادئ أعظم من الأشخاص " بالغموض ، هأنذا أفسر لك محتواها ، المبادئ أعظم من الأشخاص هذا هو شأن الراشدين حين ينظرون إلى الارتباط فإنهم يوجهون وجهتهم ناحية المبادئ و الأفكار لا ناحية الأشخاص ، فالمبادئ و الأفكار يشترك فيها الكثير و الكثير و عليها فكثير يصلح ، أما خندقة الاختيار في شخص بعينه فهذا شان الصبية و محدودي العقل ....كيف لا و هم بعين الهوى العوراء لا يرون إلا المحاسن ، و قد أحسن ابن الجوزي حين خاطب هؤلاء مداويا فقال " و مما يداوى به الباطن ، أن تفكر فتعلم أن محبوبك ليس كما في نفسك ، فأعمل فكرك في عيوبه تسل ، فإن الآدمي محشو بالأنجاس و الأقذار ، و إنما يرى العاشق معشوقه في حال الكمال ، و لا يصور الهوى له عيبا ، لأن الحقائق لا تنكشف إلا مع الاعتدال ، و سلطان الهوى حاكم جائر يغطي المعايب فيرى العاشق القبيح من معشوقه حسنا " أهـ. (ذم الهوى )

بل إن الارتباط بالشخص مذموم في كثير من الأحيان ، و قد ضرب لنا الرعيل الأول المثال الأعظم في هذا الشأن ، فالارتباط بالمبادئ كان لديهم أعظم من الارتباط بالأشخاص أنظر إلى
إلى أمنا (أم حبيبة بنت أبي سفيان ) حين أرتد زوجها عن الإسلام في هجرة المسلمين الاوائل للحبشة ، فنبذته وراء ظهرها ، و تحللت من ارتباطها منه مع بالرغم من داعي الارتباط الشديد من زواج غير أن المبادئ لديها كانت أعظم من الأشخاص رفع الله درجاتها .

الارتباط بالأشخاص مطية النكبات و مدخل للعثرات ، بل قد يدعوك إلى صب اللعنات على العاشقين حين تسمع أحدهم يقول :
يا سلم يا راحة العليل ......يا شفا المدنف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي..... من رحمة الخالق الجليل

أو حين تتأمل قول قيس :
أراني إذا صليت يممت بوجهي ..........نحوها وإن كان المصلى ورائيا
و ما بي إشراك و لكن حبها .......... كعظم الشجا أعيى الطبيب المداويا

من أجل هذا اخلص إلى أن المبادئ أعظم من الاشخاص ، مغبون هذا الذي يعلق آماله على شخص ، عظيم هذا الذي يرتبط بالمبادئ.