ارتبط هذا الدعاء بذهني لفترة طويلة بأنه دعاء للزواج ...سمعت هذا أيضا من غير واحد رابطين بين دعاء موسى عليه السلام به و تزويجه بإحدى ابنتي الرجل الصالح ، غير إننا حين نقرا القرآن مرة بعد مرة يفيض الله علينا من أسراره الكثير و الكثير ..و هو ما وجدته حال تدبري لهذا الدعاء هذه المرة .

أمر آخر جدير بالاعتبار هو أن تدبرنا في كثير من الأحيان يكون مرتبطا ارتباطا وثيقا بالحالة النفسية التي تكتنفنا في هذه اللحظة ، فربما تحمل الآيات على معنى بعيد تماما عن ظاهرها مرتاحا إلى ذلك المعنى الذي توافق مع حالتك النفسية خصوصا أن هناك من العلماء من ارتضى القاعدة بأن العبرة بعموم اللفظ لا خصوص السبب .

صحيح أن فاء المسارعة في " فجاءته " عقب توجه موسى عليه السلام إلى الله بالدعاء هذا قد ترسخ عندك فهم ارتباط الدعاء بالزواج أيضا ، ولكن هنا تبرز أهمية المنهج التحليلي في ربط النتائج بالمسببات مع مراعاة الظروف و العوامل المحيطة ، فموسى عليه السلام تبدأ قصته مع الخوف بخروجه من مصر خائفا من أن تناله يد البطش و تنكل به بتهمة القتل و خصوصا بعد أن أخبره الرجل المصري بتآمر الملأ ليقتلوه و نصحه بالخروج "
وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قال يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ" ، يبدو أنه عليه السلام خرج على عجل دون ترتيب مسبق بل لا يدري أين يذهب ، و لا ماذا سيفعل متوجها إلى الله ، و بعد أن اطمأن إلى التوجه إلى مدين تمنى أن يكون قد وفق إلى صحة اختيار الوجهة "وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قال عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ " ، وحين وصل إلى الماء ولاحظ تجمع الرجال عليه و تجنب الفتاتين لمزاحمتهم ، حفز هذا المروءة التي رأيناها من قبل في نصرة المستغيث إلى إقدامه على مساعدتهما ، ربما يكون هناك عامل آخر دفعه إلى ذلك يجدر بنا اعتباره في حسباننا ، هذا العامل هو إرادته التشاغل عن الحالة التي تكتنفه من حال كونه غريبا لا يدري الخطوة القادمة ، ماذا تخبئ له الأيام ،

إن من طرق معالجة المشاكل هو الإنشغال بمشكلة أخرى و هو ما تم معه ، هذا ليس هروبا من المشكلة ربما أعطيك مثالا تتفهم به وجهة نظري بشكل أفضل ، ذكر لي شيخي أن مشكلته حال تعلم السواقة تتمثل في توقف المحرك بعد أن قام بتشغيله ، و للحصول على الرخصة كان عليه التدرب أن يسير ( زجزاج Zigzag ) هنا أضيفت مشكلة ثانية ، غير أن تركيزه في حل الثانية قل حل بدوره الأولى . هذا هو التشاغل الذي أعنيه .

و هذا والله أعلم ما دفع موسى عليه السلام إلى جانب مروءته بالطبع إلى مساعدة الفتاتين ، فما أن أتم المهمة و انصرف إلى وحدته في الظل حتى عاودته مشكلته الأصلية .. مشكلة ماذا بعد ..إلى أين .. هذا ما دفعه إلى قول " رب إني لما انزلت إلي من خير فقير"
فهو دعاء شامل للاهتداء و افتقاره للرشاد و عجزه بمفرده عن إدراك الطريق ، و قد أعجبني بشدة قول الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره هذه الآية قال " السؤال بالحال أبلغ من السؤال بلسان المقال " هذا الدعاء الشامل تلتمس فيه صدق التوجه إلى الله و التفويض الكامل له بان يصلح له حاله و أن يهديه للخير ..يشعرني بهذا المعنى أيضا دعاء النبي " فإنك إن تكلني إلى نفسي فإنك تكلني إلى ضعف و عورة و ذنب و خطيئة و إني لا اثق إلا برحمتك ".

من هنا نخلص إلى أن الدعاء أشمل و أعم من أن يخصص كدعاء للزواج و إن كان يعجبني هذا أيضا ، صحيح أنه وفق للزواج عقب هذا الدعاء لكن هذه كانت معالجة فردية تختص بحاله عليه السلام ، أعني انه لم يدع به ليتزوج :)
إنما دعا به كدعاء عام للتوفيق للخير فكان الخير المناسب لحالته الزواج .