مأســـــــــاة الدكتورة مـــــــــارى

توطئة

من جميل آداب الإسلام التى تربينا عليها أمره إيانا بالتزام القول الحسن
قال تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} *1 ،

وعن ابن عباس رضى الله عنهما ( لو قال لى فرعون : بارك الله فيك ، قلت : و فيك ، و فرعون قد مات ) *2

قال طلحة بن عمر : قلت لعطاء ( إنك رجل يجتمع عندك ناس ذوو أهواء مختلفة ، و أنا رجل فىَّ حدة ، فأقول هم لهم بعض القول الغليظ ، فقال لا تفعل ! يقول الله تعالى {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً} فدخل فى هذه الآية اليهود و النصارى فكيف بالحنيفى ؟!) *3

ها قد تبين لنا حرص الإسلام على التزام الأدب فى محاورة المخالفين ، و قد ذلك إيضاحا قوله تعالى "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنزِلَ إِلَيْنَا وَأُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ"*4

فأنا أكن كل احترامى للحوار و المناظرات بين المخالفين من اليهود و النصارى، و التى تنأى بنا عن السخرية من معتقداتهم - دأب الإنهزاميين – لم تكن السخرية يوما سبيلا إلى إقناع المخالف بل على العكس ، إنها لا تؤدى إلا إلى مزيد من الحقد و التشاحن و غض الطرف عن الحق الذى يضيع وسط المراء الباطل ، أضف إلى ذلك الغساءة التى يجتنيها هؤلاء المتحمسون على دينهم بسخريتهم من اعتقاد غيرهم ؛ حيث يسخر الأخرون من معتقدهم كما يفعلون فيتمثل جليا قول الله تعالى
*5{ وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ }

إن المتامل لمتناظرات العلماء لغيرهم من اليهود و النصارى يستطيع يرى مدى تطلعهم إلى الحجج العقلية ، و مدى بعدهم عن التحقير من اعتقاد غيرهم ، لك أن تطلع على قصيدة ابن القيم الرائعة : أعباد المسيح ، و ربما لو اطلعنا على اشد بيت و الذى قد يتوهم أنه فيه شئ من السخرية ستجده يعلن عن اعتقاده
تعالى الله عن إفك النصارى سيسأل كلهم عما افتراه

غير أننا لو أنعمنا النظر ، و تريثنا فى حكمنا سنجده رحمه الله فى قوله لا يعدو التصريح باعتقاده ، و هو أن تأليه المسيح عليه السلام الإفك كل الإفك. إن البعض فى حاجة ماسة إلى أن يعيد فكره فى محاورة غير المسلمين ..........كانت هذه بداية لا بد منها قبل الولوج إلى مأســــــــــاة مـــــــــــارى

المصادر :
1*سورة البقرة : 83
2*صحيح الأدب المفرد رقم 848 نقلا عن حرمة أهل العلم لأستاذنا محمد إسماعيل المقدم
3*الجامع لأحكام القرآن للقرطبى (2/16) نقلا المصدر اعلاه.
4* العنكبوت :46
5*الأنعام :108
القصة

يا لسرعة انقضاء الأيام ، لكم تمنت أن تكسر ذلك الزجاج الذى يحول بينها و بين عقارب الساعة ، فتنتزعها منها انتزاعا ؛ فتوقف بذلك عجلة الزمن ، ذلك الذى يداهمها مروره السريع ، حين يشعرها أن ورده عمرها قد شرفت على الذبول ، و أن نضارة شبابها قد شرعت فى الأفول ، بينما هى لا تزال مطبقة على توجساتها ، رابطة قلبها على خوفها من غياهب الغد.

إن الأحد القادم سيعلن انقضاء سبعة و عشرين عاما من حياتها ، تلك الحياة التى تحاول أن تغرق فى جوانبها آملة أن تتخلص من هذا الهاجس الذى يلاحقها ، و لكن كيف لها أن تتخلص منه و هو يتمثل أماما كثيرا فى عملها ، و لا تسلم أذناها من إلحاحات أمها بمتعلقه .....لطالما سألت نفسها لم لا تكف أمى عن ملاحقتى بهذه العروض التى لا تعرف الانقطاع ، غير أنها حين تصغى إلى صوت أنوثتها تسمع دوى صرخات هذه الأنوثة معلنة افتقداها لزوج يقوى ما بها من ضعف ، و يكمل ما بها من نقص.

غير ان هذه النداءات الفطرية كثيرا ما وجدت سدا منيعا لا تقوى على اختراقه ، هذا السد طفقت (مارى) فى بناء لبناته حين كانت فى عامها الثالث فى دراسة الطب بالجامعة ، حين علمت من علم الأمراض ( الباثولوجيا) أن سرطان عنق الرحم قليل الحدوث فى المسلمات مقارنة بغيرهن ؛ ذلك ان دينهم اوجب عليهم ختان رجالهم ، أما غير المختتنين من الرجال فنساؤهم عرضة لهذا الخطر ، و هى تذكر مدى خفقان قلبها حين قرات هذه المعلومة لأول مرة ، و أحست بخوف من المستقبل ربما لأن مصيرها كمصير أى فتاة للزواج ، و لأن أغلب من سيتقدم للزواج منها سيكونون أغلبهم إن لم يكن كلهم من غير المختتنين.

هى لا تزال تذكر هذا الموقف الذى آلمها كثيرا فى (سكشن الباثولوجيا) فى العام نفسه حين كانت الأستاذة تمطرهم وابلا من الأسئلة لا تعرف هوادة و لا رحمة ، و كان من بين الاسئلة : ما أسباب سرطان عنق الرحم؟ ، و بالرغم من أن أول ما تبودر إلى ذهنها هو عدم اختتان الأزواج من جملة الأسباب غير انها آثرت السكوت.

مرت لحظات إجابة السؤال كالسنين ، و هى فى تلك السنين تخشى سماع الإجابة التى تبودرت إلى ذهنها ، و هى مع ذلك تنتظرها ، و ما ان أوشكت الأستاذة على أن تنتقل إلى سؤال غيره ، و أخذت (مارى) تتنفس الصعداء ، إذ بزميل لها عرفت من سمته اعتزازه بدينه يرفع يده مخاطبا الأستاذة قائلا: أريد أن أضيف سببا من فضلك

-تفضل

-حدوثه فى نساء غير المختتنين من الرجال

كانت وقع كلماته كوقع السهام فى قلب (مارى) ، زاد من ألمها فعل الأستاذة حيث احتفت بالإجابة و علقت عليها قائلة : نعم فهو نادر حدوثه ، بينما هو وارد فى ...........و سكتت قليلا ، و كأنها انتبهت إلى (مارى) و زميلاتها ، ثم قالت : وارد حدوثه فى الغرب ، و انتقلت بسرعة إلى سؤال غيره .

ضاعف هذا الهاجس لدى (مارى) ترددها على المستشفى التعليمى أثناء دراستها لمادة ( النساء و التوليد) فى عامها السادس من دراسة الطب ، حين رأت بعينى راسها المريضات بهذا لاداء يعانين ، كانت تقترب من إحداهن فى خلسة عن رفيقاتها ، و تسالها على استحياء : هل زوجك مختتن ؟ فترى المريضة فى عينها لهفة لسماع كلمة نعم ، غير أن جوابها بلا كان كوقع السوط عليها.

ضاق أبوها ذرعا برفضها المتكرر غير المبرر للمتقدمين ، و كثرت توسلات أمها لها ان ترحم دموعها ، حتى ألحا عليها لمعرفة سبب الرفض ، و عندما بلغ الكتمان منها مداه أخبرتهما ، و عجزت محاولاتهما فى إقناعها ن غلى أن استقروا على غضافة شرط للمتقدم و هو سؤاله : هل أنت مختتن ؟!!!

تصارعت الأفكار فى رأى مارى هل تترك الحياة و زينتها فرارا من هذا الهاجس ، و تسلم نفسها لأحد الاديرة حيث تستسلم للرهبانية ، غير ان جمالها و الأعوام الشاقة فى دراسة الطب كانا ينفرانها من هذه الفكرة ، فهى تقضى ليلها و نهارها تتأمل وتتألم ، و لا تعلم لمأساتها حلا ، غير أنها مازالت تنظر إلى عقارب الساعة .

(تمت).