ألقيت بنفسى فى سيارة الميكروباص بعد أن أنهكت قواى فى يوم شاق فى الاستقبال ، ذلك الاستقبال الذى قررت أن أصرف له قطاعا من إجازتى بعد أن تحطم حلم قضاء شهرى الصيف فى قسم طب المجتمع فى إحدى المستشفيات التعليمية بكولونيا - ألمانيا .

جلست فى السيارة بين رجل و امرأة ، امرأة فى عمر أمى ، و رجل يكبرنى بعامين على الأكثر ، بعد قليل غادرت المرأة السيارة ، و قبل أن تخرج من الباب طلب منى الرجل فى إسلوب ليس باللطيف أن اتنحى جانبا ، و قد كنت سارحا كعادتى فى المواصلات ، فتنحيت دون أن أنبس ببنت شفة ، و كان البالطو - إن شئت سمه رداء الشرف كما يظنه ضعاف العقول - على رجلى فى طىٍّ وسط بين عجلة الرجال و هندمة النساء ، فإذ بالرجل بعد قليل يقول لى :
- وز ا تايم؟
-نعم ؟!
-وزا تايم ؟
- أيـــــــه ( بلهجة شديدة )
و حين ضاق ذرعا بضعفى فى الإنجليزية قال : الساعة كام ؟
قلت : طب ما تقول الساعة كام ................. أربعة إلا تلت ، و أدرت وجهى للشباك.
- أصل أنا شغلى إنجليزى.................يو سبيك ايجبت ؟
- أنت شغلك انجليزى أنا مالى كلمنى عربى على قدى.
-انت بتشتغل أيه
-دكتور
-طب يعنى شغلك بردو انجليزى
-شغلى حاجة و اللغة اللى الناس بتتكلم بيها حاجة ، أنا عربى بتكلم عربى
-أيوه بس فيه واحد من الحضانة فى مدرسة انجليزى يطلع يتكلم أيه.......انجليزى
-قلت و قد ضقت ذرعا بالمراء : طيب ماشى ، وأدرت وجهى للشباك..........(متعة أن تشعر من أمامك أنه يشتغلك)

ما إن أدرت وجهى فإذ بامرأة مصرية بنت مصري و بنت مصرية ، تفصح عن هويتها بالمشاركة فى حديث لم يطلب منها أن تكون طرفا فيه فتقول : بس في ناس عايشة بره و محافظين على لغتهم ، و بيعلموها لأولادهم ، و النبى صلى الله عليه و سلم قال : من تعلم لغة قوم أمن مكرهم .

الجملة متداولة غير أن لا أعلمها حديثا ......ربما هى كذلك ............بعد بضعة أمتار خرج الرجل من السيارة ، نسيت أن أخبركم أن هيئته و أسلوب كلامه بالعامية حتى فضلا عن الإنجليزية طبعا ، لا يعطيه أكثر من تعليم متوسط ، ليس انتقاصا من حاله لكنه إقرار للواقع و لكنها عقدة النقص الممزوجة بالجهل بمواطن الرفعة و القدر ، ذلك الجهل الذى جعلها محصورة فى اتقان اللغات و البالطو الأبيض!!!!

أؤمن بأن اللغة وعاء الفكر ، فنحن نفكر و نصوغ فكرنا فى قالب لغوى فقط لكى يتداول بين الناس ، فاللغة وسيلة و ليست غاية أبدا ، من ثم كانت لغة الجسم و العينين قادرة على توصيل معان كتلك التى توصلها اللغة المنطوقة ، غير انه لكل مقام مقال.

فنحن لا بد لنا ان نفخر بلساننا العربى ، كذلك علينا أن نتعلم اللغات ، و لكن شريطة أن نطوعها فى محلها ، فليس هناك داع أن نستخدمها فى حياتنا العامة ، بل ماذا عساك أن تفعل حين تعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية عَّد التحدث بلغات الكفار فى غير الحاجة إليها من صور الموالاة المحرمة .......نريد ان نعيد صياغة ألسنتنا على نحو يعلن عن هويتنا.