الكتابة هى الترجمة المادية لعوالمنا المعنوية ...... هكذا أعرفها ....... فى جملة أخرى هي ناقلة تحمل بضاعتنا الفكرية للمستهلك ، الذي قد يجد في بضاعتنا مآربه و قد يجدها مزجاة لا تسد فاقته المعرفية فلا يكلف نفسه عناء التعرف على مادتها فضلا عن الرد عليها .......كل هذا لا يهم لشخص يكتب لنفسه أولا و أخيرًا ، و ينشر بضاعته فقط من باب للعرض فقط و ليست للبيع فمن شاء فليطالع و من لم يشأ فما عرضناها للبيع أصلا.


كل إنسان يستطيع الكتابة ما لم يكن أمياً ، فالكتابة ترجمة لأفكار و مشاعر و خواطر كما ذكرت و الإنسان نفسه وعاء لهذه الأمور كل ما عليه فقط أن يمسك بالقلم و سيجد فى الورق صدرا رحبا قد لا يجده فى صديق .


عهدى بالكتابة يرجع إلى الرابعة عشر من عمري ، كنت قد كتبت قصيدة عن الأقصى بعد أن طلب مني أحد أصدقاء المسجد أن أعد شيئا كهذا ، و قد جاهدت لأكمل السبعة أبيات و هي الحد الادنى لنطلق على أبيات اسم قصيدة ، و محاولاتى فى الشعر لم تتجاوز قصيدتين أو ثلاثة على الأكثر ، الثانية كتبتها فى ألمانيا فى رحلتى الماتعة هناك من سنين خمس مضين ، أذكر منها مطلعها الذى كنت أخاطب فيه الشمس فأقول :


أحب فى شروقك الأمل ........و أرغب فى غروبك عن الفراق



أما الثالثة فلا أذكر عنها شيئا ، بل لعلي لم أكتبها أصلا ، و الحقيقة التى لا مفر منها أنى لا أحسن كتابة الشعر العربي الأصيل ، فالشعر عندي هو ذلك التقليدى الذى يراعى البحور و العروض و القوافي ، ذلك الذى عرفناه فى شعر الجاهلية ، و صدر الإسلام بعده ، مرورا بالعصور الإسلامية المختلفة انتهاءا بالعصر الحديث و مدارسه المختلفة وقوفا عند مدرسة نازك الملائكة الواقعية صاحبة بدعة السطر الشعري – في رأيي – و أنا لا أحب السطر الشعري أسوة بعمنا العقاد الذى كان يحيل شعر صلاح عبد الصبور حين يصل إليه إلى لجنة النثر ، اللهم إلا القليل من القصائد على رأسها قصيدة المساء لإيليا التي ألقيها فى خلواتي ، أو اسمعها من إلقاء هذه الفتاة التى تلوث بلسانها جمال العربية بلحنها الجلى ، لكن لا بأس فكلمات القصيدة تنسيني إساءتها.
هذا هو الشعر عندي أما البعليصة – على حد قول احد أقرب أصدقائى – التي تلهو بها الأقلام المقصوفة في سطر شعري عقيم أو لغة عامية ركيكة لا ترقى إلى أن تكون لغة أدب فليتجرعها مريدها غير ماسوف عليه بعيدا عن تذوقي.

مع دخول الجامعة بدأت الكتابة تمثل لي شيئا جديدا لم يكن معروفا من قبل ، و حتى الآن تعجز كلماتي عن وصفه ، إنها عالمي اللذيذ ، هذا العالم منه ما يصلح للنشر و منه ما يظل حبيس الأدراج يحمل خلجاتي الخاصة إلى درجة امتناع اطلاع الغير عليه ... ربما لانه يحمل وجهنا الحقيقي من دون زيف أو خداع....نعم لا تعجب و لا تغتر بما تقرأ .... فكثيرا ما تكون كتابتنا الجانب المثالي من حياتنا .....الجانب الذي نريد الناس أن يعرفوه عنا ..... فى هذا يصدر أحد كتابي المفضلين روايته بهذه الحقيقة : لكل منا وجهان ....وجه فى نفسه....و وجه للناس.....و المستحيل التوفيق بين هذين الوجهين.

هذا لا يقتضي بالضرورة النفاق .....لك أن تقول أنه خلاف مجرد من الحقارة ......أو ربما يكون كذلك .....المهم أنه موجود.

طال حديثى و ما زال فى الجعبة الكثير ، و فى الصفحات المزيد و الجو يدفع للكتابة فالسماء صافية فى هذا الليل ، و الماء صافى قى البحيرة على يميني ، و أمي تجلس إلى جواري فى هدوء تاركة إياي اسبح في عالم الكتابة ...عالمي الذيذ....لكن حسبي هذا.