قال تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ وَاتـَّــبَعَ هَوَاهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } [الأعراف/175-176-177].


في تفسير الجلالين تم تعيين هذه الشخصية ، كذا عمد أ.عمرو خالد في برنامجه قصص القرآن إلى تسميته باسمه و هو بلعام بن باعوراء ، هذا و إن كنت أميل إلى ما ذكره الشيخ السعدي فى تفسيره من عدم تعيين هذا الشخص، و لما في القصة من التذكرة ما أحتاج إليه قبل أي قارئ لهذه التدوينة كان لابد من كتابتها ، و الله أسأل أن تزيل قسوة قلوبنا و تطهرها من أرجاس لطالما أعاقت سلامتها.

في هذه الآية من سورة الأعراف يخبرنا الله عز وجل عن رجل من خلقه اصطفاه برحمته ، و علمه ما لم يكن يعلم ، و شرح صدره للإسلام بعد أخرجه من بطن أمه جاهلا لا يعلم شيئا ، فاجتباه ربه ، و آتاه الدين ، و هو برحمته يعطي الدنيا لمن يحب و من لا يحب ، غير أنه تبارك و تعالى لا يعطي الدين إلا لمن أحب.

كيف بادل هذا الرجل ذلك الحب ؟ إنه لم يرفع بذلك رأسا ، و لم يقبل حب الله ، بل نبذه وراء ظهره ، و اشترى به ثمنا قليلا ، لقد باع المسكين دينه بعرض من الدنيا قليل ، انسلخ من ذلك الدين ، و ذلك العلم الذين امتن الله بهما عليه ، و انسلخ من ذلك الحب ، و رضى بالشيطان إماما ، و بالشهوة قائدا ، و بالغي مذهبا ، و بالضلال ديدنا ، فأخلد بهذا إلى الأرض ، و طبع على قلبه فصار لا يعرف معروفا ، و لا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ، و اختلط لديه الحبال بالنابل ، و استوت لديه أوامر الرحمن ، و أوامر الشيطان ، فحال الله بينه و بين قلبه و تركه تنتابه الميول ، و تتقاذفه الأهواء ، و تتلاعب به الشهوات فصار مثله كمثل الكلب يندلع لسانه فى ذل ، وهو على تلك الحالة إن تتركه أو تطرده ذل شيد.

بئس حياة تلك التي اختارها لنفسه ، أمن أجل شهوة حقيرة و رغبة دنيئة باع ربه الذي كان يحوطه بالرعاية ، و يكفله بالحنان ، و التمسهما في غيره ، أطال عليه أمد الطاعة ؟ أقسى قلبه من كثرة تعرضه للفتن ؟ إنا لله و إنا إليه راجعون