إن كلماتنا تظل عرائس من شموع حتى إذا متنا في سبيلها دبت فيها الروح وكتبت لها الحياة.

الثلاثاء، 20 يوليو 2010

فمثله كمثل الكلب

| 3 حبوب »

قال تعالى: { وَاتْلُ عَلَيْهِم نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلى الأَرْضِ وَاتـَّــبَعَ هَوَاهُ، فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ القَوْمِ الَّذيِنَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ القَصَصَ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ سَاءَ مَثَلاً القَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ } [الأعراف/175-176-177].


في تفسير الجلالين تم تعيين هذه الشخصية ، كذا عمد أ.عمرو خالد في برنامجه قصص القرآن إلى تسميته باسمه و هو بلعام بن باعوراء ، هذا و إن كنت أميل إلى ما ذكره الشيخ السعدي فى تفسيره من عدم تعيين هذا الشخص، و لما في القصة من التذكرة ما أحتاج إليه قبل أي قارئ لهذه التدوينة كان لابد من كتابتها ، و الله أسأل أن تزيل قسوة قلوبنا و تطهرها من أرجاس لطالما أعاقت سلامتها.

في هذه الآية من سورة الأعراف يخبرنا الله عز وجل عن رجل من خلقه اصطفاه برحمته ، و علمه ما لم يكن يعلم ، و شرح صدره للإسلام بعد أخرجه من بطن أمه جاهلا لا يعلم شيئا ، فاجتباه ربه ، و آتاه الدين ، و هو برحمته يعطي الدنيا لمن يحب و من لا يحب ، غير أنه تبارك و تعالى لا يعطي الدين إلا لمن أحب.

كيف بادل هذا الرجل ذلك الحب ؟ إنه لم يرفع بذلك رأسا ، و لم يقبل حب الله ، بل نبذه وراء ظهره ، و اشترى به ثمنا قليلا ، لقد باع المسكين دينه بعرض من الدنيا قليل ، انسلخ من ذلك الدين ، و ذلك العلم الذين امتن الله بهما عليه ، و انسلخ من ذلك الحب ، و رضى بالشيطان إماما ، و بالشهوة قائدا ، و بالغي مذهبا ، و بالضلال ديدنا ، فأخلد بهذا إلى الأرض ، و طبع على قلبه فصار لا يعرف معروفا ، و لا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه ، و اختلط لديه الحبال بالنابل ، و استوت لديه أوامر الرحمن ، و أوامر الشيطان ، فحال الله بينه و بين قلبه و تركه تنتابه الميول ، و تتقاذفه الأهواء ، و تتلاعب به الشهوات فصار مثله كمثل الكلب يندلع لسانه فى ذل ، وهو على تلك الحالة إن تتركه أو تطرده ذل شيد.

بئس حياة تلك التي اختارها لنفسه ، أمن أجل شهوة حقيرة و رغبة دنيئة باع ربه الذي كان يحوطه بالرعاية ، و يكفله بالحنان ، و التمسهما في غيره ، أطال عليه أمد الطاعة ؟ أقسى قلبه من كثرة تعرضه للفتن ؟ إنا لله و إنا إليه راجعون


الجمعة، 16 يوليو 2010

فى حب الأنعام و النساء

| 5 حبوب »

سورتا الأنعام و النساء هما أحب سور القرآن إلى قلبى ، أما الأنعام فقد وجدت فيها من جميل التحدث عن ربوبية الله عز و جل ما مسّ شغاف قلبى ، و خصوصا هذه الآيات فى بدايتها " قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ قُل لِلّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لاَ رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُمْ فَهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴿6/12﴾ وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴿6/13﴾ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلاَ يُطْعَمُ قُلْ إِنِّيَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكَينَ ﴿6/14﴾ قُلْ إِنِّيَ أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ﴿6/15﴾ مَّن يُصْرَفْ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ فَقَدْ رَحِمَهُ وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْمُبِينُ ﴿6/16﴾ وَإِن يَمْسَسْكَ اللّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِن يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدُيرٌ ﴿6/17﴾ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴿6/18﴾ 0
، و تلك فى ختامها "مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴿6/160﴾ قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴿6/161﴾ قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴿6/162﴾ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴿6/163﴾ قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ ﴿6/164﴾ وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئِفَ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴿6/165﴾ 0

هذه الآيات على وجه التحديد لن اكون مبالغا إن قلت أنها أحب آيات القرآن إلى قلبى

أما النساء فحبها تغلغل إلى قلبى لما فيها من التحدث عن الجهاد و هجرة الأوائل من ديار الكفر فرارا بدينهم و ربما تأملا فى الآية التى بكى عندها رسولنا صلوات الله و سلامه عليه حين تلاها أبى بن كعب رضى الله عنه " فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد و جئنا بك على هؤلاء شهيدا"

أما أحب آياتها إلى قلبى تلك "إنما التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوَءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِن قَرِيبٍ فَأُوْلَئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً ﴿4/17﴾ وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ﴿4/18﴾ 0

و تلك أيضا "
يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴿4/26﴾ 0
وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيمًا ﴿4/27﴾ يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا

و لكل من هذه الآيات موضعها فى حياتي ، فآيات النساء أهرع بها في تضرع إلى الله فى ركعتى التوبة التى نص عليهما الحديث ، و لسان حالى يارب اتضرع إليك بأحب كلامك إلى قلبي ، و قد ذكرت أن التوبة عليك للذين يعملون السوء بجهالة ، و ما عصيتك يا رحماني إلا بجهالتي ، و نفسي التي تسلطت علي ، و أنت تريد أن تتوب علينا ، فاحفظنا من الذين يريدوننا أن نميل ميلا عظيما ، و خفف عنا و ارحم ضعفنا.
أما آيات الأنعام فاهرع إليها فى ركعتين أتوسل بهما إلى الله كلما أردت حاجة ، لا سيما قبل الامتحانات ، و ألح فى سجودي ، يا ربنا يا من كتبت على نفسك الرحمة ، يا من رحمته وسعت كل شئ ، يا من كتبت على نفسك الرحمة ، يا ذا الجلال و الإكرام ، يا ذا الجود و الفضل ، يا من وسعت رحمته كل شئ أنا شئ فادخلنى فى رحمتك ، يا رب امسسنى بخير ، يا رب إنك إن تكلنى إلى نفسي فإنك تكلنى إلى ضعف و عورة و ذنب و خطيئة و إنى لا أثق إلا برحمتك ، يا رب إنك إن تكلنى إلى نفسى أضل ، و إن تكلنى إلى شيطانى أغوى ، فيا رب برحمتك دبر لى فإنى لا أحسن التدبير ، يا رب أبرأ إليك من حولى و قوتى ، فلا حول و لا قوة إلا بك ن يارب ارضنى و رضنى.

و حقيقة إنى أرضى بالنتيجة أياً كانت بعد هاتين الركعتين ، قد لا أبلي بلاءا حسنا كما كنت أريد ، غير أن الله يقذف فى قلبى السكينة و الرضا بما قسمه لى و هذا فى رأيي هو جوهر السعادة ، الذى من حازه فقد حاز الدنيا الرضا ، أن ترضى بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس .

إن القرآن كتاب الله المنزل ، و شفاء الصدور من أسقام الحياة ، يهدي للتى هي اقوم ، و يبشر المؤمنين بأن لهم من الله أجرًا كبيرا ، و ها نحن نمضى بخطوات وثابة نحو رمضان –اللهم بلغنا رمضان- نحن نحتاج إلى أن يكون لكتاب الله حظ أوفر من أوقاتنا ، و أنا أول المقصرين فالله المستعان و عليه التكلان.

الخميس، 15 يوليو 2010

الكتابة ..عالمي اللذيذ

| 26 حبوب »




الكتابة هى الترجمة المادية لعوالمنا المعنوية ...... هكذا أعرفها ....... فى جملة أخرى هي ناقلة تحمل بضاعتنا الفكرية للمستهلك ، الذي قد يجد في بضاعتنا مآربه و قد يجدها مزجاة لا تسد فاقته المعرفية فلا يكلف نفسه عناء التعرف على مادتها فضلا عن الرد عليها .......كل هذا لا يهم لشخص يكتب لنفسه أولا و أخيرًا ، و ينشر بضاعته فقط من باب للعرض فقط و ليست للبيع فمن شاء فليطالع و من لم يشأ فما عرضناها للبيع أصلا.


كل إنسان يستطيع الكتابة ما لم يكن أمياً ، فالكتابة ترجمة لأفكار و مشاعر و خواطر كما ذكرت و الإنسان نفسه وعاء لهذه الأمور كل ما عليه فقط أن يمسك بالقلم و سيجد فى الورق صدرا رحبا قد لا يجده فى صديق .


عهدى بالكتابة يرجع إلى الرابعة عشر من عمري ، كنت قد كتبت قصيدة عن الأقصى بعد أن طلب مني أحد أصدقاء المسجد أن أعد شيئا كهذا ، و قد جاهدت لأكمل السبعة أبيات و هي الحد الادنى لنطلق على أبيات اسم قصيدة ، و محاولاتى فى الشعر لم تتجاوز قصيدتين أو ثلاثة على الأكثر ، الثانية كتبتها فى ألمانيا فى رحلتى الماتعة هناك من سنين خمس مضين ، أذكر منها مطلعها الذى كنت أخاطب فيه الشمس فأقول :


أحب فى شروقك الأمل ........و أرغب فى غروبك عن الفراق



أما الثالثة فلا أذكر عنها شيئا ، بل لعلي لم أكتبها أصلا ، و الحقيقة التى لا مفر منها أنى لا أحسن كتابة الشعر العربي الأصيل ، فالشعر عندي هو ذلك التقليدى الذى يراعى البحور و العروض و القوافي ، ذلك الذى عرفناه فى شعر الجاهلية ، و صدر الإسلام بعده ، مرورا بالعصور الإسلامية المختلفة انتهاءا بالعصر الحديث و مدارسه المختلفة وقوفا عند مدرسة نازك الملائكة الواقعية صاحبة بدعة السطر الشعري – في رأيي – و أنا لا أحب السطر الشعري أسوة بعمنا العقاد الذى كان يحيل شعر صلاح عبد الصبور حين يصل إليه إلى لجنة النثر ، اللهم إلا القليل من القصائد على رأسها قصيدة المساء لإيليا التي ألقيها فى خلواتي ، أو اسمعها من إلقاء هذه الفتاة التى تلوث بلسانها جمال العربية بلحنها الجلى ، لكن لا بأس فكلمات القصيدة تنسيني إساءتها.
هذا هو الشعر عندي أما البعليصة – على حد قول احد أقرب أصدقائى – التي تلهو بها الأقلام المقصوفة في سطر شعري عقيم أو لغة عامية ركيكة لا ترقى إلى أن تكون لغة أدب فليتجرعها مريدها غير ماسوف عليه بعيدا عن تذوقي.

مع دخول الجامعة بدأت الكتابة تمثل لي شيئا جديدا لم يكن معروفا من قبل ، و حتى الآن تعجز كلماتي عن وصفه ، إنها عالمي اللذيذ ، هذا العالم منه ما يصلح للنشر و منه ما يظل حبيس الأدراج يحمل خلجاتي الخاصة إلى درجة امتناع اطلاع الغير عليه ... ربما لانه يحمل وجهنا الحقيقي من دون زيف أو خداع....نعم لا تعجب و لا تغتر بما تقرأ .... فكثيرا ما تكون كتابتنا الجانب المثالي من حياتنا .....الجانب الذي نريد الناس أن يعرفوه عنا ..... فى هذا يصدر أحد كتابي المفضلين روايته بهذه الحقيقة : لكل منا وجهان ....وجه فى نفسه....و وجه للناس.....و المستحيل التوفيق بين هذين الوجهين.

هذا لا يقتضي بالضرورة النفاق .....لك أن تقول أنه خلاف مجرد من الحقارة ......أو ربما يكون كذلك .....المهم أنه موجود.

طال حديثى و ما زال فى الجعبة الكثير ، و فى الصفحات المزيد و الجو يدفع للكتابة فالسماء صافية فى هذا الليل ، و الماء صافى قى البحيرة على يميني ، و أمي تجلس إلى جواري فى هدوء تاركة إياي اسبح في عالم الكتابة ...عالمي الذيذ....لكن حسبي هذا.

الاثنين، 12 يوليو 2010

اللغة وعاء الفكر .........ولكن

| 5 حبوب »

ألقيت بنفسى فى سيارة الميكروباص بعد أن أنهكت قواى فى يوم شاق فى الاستقبال ، ذلك الاستقبال الذى قررت أن أصرف له قطاعا من إجازتى بعد أن تحطم حلم قضاء شهرى الصيف فى قسم طب المجتمع فى إحدى المستشفيات التعليمية بكولونيا - ألمانيا .

جلست فى السيارة بين رجل و امرأة ، امرأة فى عمر أمى ، و رجل يكبرنى بعامين على الأكثر ، بعد قليل غادرت المرأة السيارة ، و قبل أن تخرج من الباب طلب منى الرجل فى إسلوب ليس باللطيف أن اتنحى جانبا ، و قد كنت سارحا كعادتى فى المواصلات ، فتنحيت دون أن أنبس ببنت شفة ، و كان البالطو - إن شئت سمه رداء الشرف كما يظنه ضعاف العقول - على رجلى فى طىٍّ وسط بين عجلة الرجال و هندمة النساء ، فإذ بالرجل بعد قليل يقول لى :
- وز ا تايم؟
-نعم ؟!
-وزا تايم ؟
- أيـــــــه ( بلهجة شديدة )
و حين ضاق ذرعا بضعفى فى الإنجليزية قال : الساعة كام ؟
قلت : طب ما تقول الساعة كام ................. أربعة إلا تلت ، و أدرت وجهى للشباك.
- أصل أنا شغلى إنجليزى.................يو سبيك ايجبت ؟
- أنت شغلك انجليزى أنا مالى كلمنى عربى على قدى.
-انت بتشتغل أيه
-دكتور
-طب يعنى شغلك بردو انجليزى
-شغلى حاجة و اللغة اللى الناس بتتكلم بيها حاجة ، أنا عربى بتكلم عربى
-أيوه بس فيه واحد من الحضانة فى مدرسة انجليزى يطلع يتكلم أيه.......انجليزى
-قلت و قد ضقت ذرعا بالمراء : طيب ماشى ، وأدرت وجهى للشباك..........(متعة أن تشعر من أمامك أنه يشتغلك)

ما إن أدرت وجهى فإذ بامرأة مصرية بنت مصري و بنت مصرية ، تفصح عن هويتها بالمشاركة فى حديث لم يطلب منها أن تكون طرفا فيه فتقول : بس في ناس عايشة بره و محافظين على لغتهم ، و بيعلموها لأولادهم ، و النبى صلى الله عليه و سلم قال : من تعلم لغة قوم أمن مكرهم .

الجملة متداولة غير أن لا أعلمها حديثا ......ربما هى كذلك ............بعد بضعة أمتار خرج الرجل من السيارة ، نسيت أن أخبركم أن هيئته و أسلوب كلامه بالعامية حتى فضلا عن الإنجليزية طبعا ، لا يعطيه أكثر من تعليم متوسط ، ليس انتقاصا من حاله لكنه إقرار للواقع و لكنها عقدة النقص الممزوجة بالجهل بمواطن الرفعة و القدر ، ذلك الجهل الذى جعلها محصورة فى اتقان اللغات و البالطو الأبيض!!!!

أؤمن بأن اللغة وعاء الفكر ، فنحن نفكر و نصوغ فكرنا فى قالب لغوى فقط لكى يتداول بين الناس ، فاللغة وسيلة و ليست غاية أبدا ، من ثم كانت لغة الجسم و العينين قادرة على توصيل معان كتلك التى توصلها اللغة المنطوقة ، غير انه لكل مقام مقال.

فنحن لا بد لنا ان نفخر بلساننا العربى ، كذلك علينا أن نتعلم اللغات ، و لكن شريطة أن نطوعها فى محلها ، فليس هناك داع أن نستخدمها فى حياتنا العامة ، بل ماذا عساك أن تفعل حين تعلم أن شيخ الإسلام ابن تيمية عَّد التحدث بلغات الكفار فى غير الحاجة إليها من صور الموالاة المحرمة .......نريد ان نعيد صياغة ألسنتنا على نحو يعلن عن هويتنا.